يمكن القول أنّ عائلة «آدامز» المخيفة وغريبة الأطوار تعتبر العائلة الأولى في الموسم المخيف، وصاحبة حضور دائم في الثقافة الشعبيّة على مدى عقود، بعد ظهورهم لأوّل مرّة في رسومات تشارلز آدمز في مجلّة نيويورك في الثلاثينيّات، ثمّ أوّل ظهور لهم على الشاشة في عام 1964 في مسلسل «عائلة آدامز»(The Addams Family) ، تعوّد العائلة مرّة أخرى للشاشة الصغيرة في شهر نوڤمبر مع دراما نتفليكس الخارقة للطبيعة للمراهقين، تحت عنوان «وينزداي» (...- 2022- Wednesday).
بدلًا من التركيز هذه المرّة على العائلة ككلّ، يدور المسلسل حول وينزداي الابنة المراهقة، لعبت الدور البائس باقتدار الممثّلة (جينا أورتيجا)، فبعد أن تعرّضت للطرد من مدرسة مرّة أخرى، قام والداها جوميز (لويس جوزمان)، ومورتيشيا (كاثرين زيتا-جونز) بإرسالها إلى أكاديميّة نيڤرمور حيث التقيا لأوّل مرّة ووقعا في الحبّ، وعلى قدر نموّها في كنف الجانب المظلم تنزعج وينزداي من فكرة أنّه من المتوقّع أن تعيش في الظلّ الهائل لوالديها، وتحديدًا والدتها، الّتي كانت متفوّقة ومحبوبة بالقدر الممكن في مدرسة يسكنها المنبوذون بكلّ فخر.
ووصول وينزداي إلى نيڤرمور لم يكن أمرًا هيّنًا إطلاقًا، فقد وضعت في مهجع الطالبات حيث كانت تقطن والدتها، برفقة إيند (أيما مايرز) مستذئبة متأخّرة النضج، والّتي يوازي حبّها للألوان الزاهية ولع وينزداي بالدرجات المختلفة من الأسود والرماديّ. ورغم أنّ الاختلافات بينهما في البداية أدّت إلى بعض المناوشات على غرار جميع قصص النضج الجيّدة، إلّا أنّهما سرعان ما أدركتا أنّهما قد تكونان أقوى سويًّا بدلًا من أن تكون كلّ واحدة بمعزل عن الأخرى، وما زاد من صعوبة الاستقرار إلى حدّ ما، اللغزان اللّذان ربّما قد يكونان أو لا يكونان على علاقة ببعضهما؛ ولكنّهما يعودان إلى نيڤرمور ومدينة جيريكو المحيطة بها: الأوّل هو قضيّة قد يتورّط فيها شخص مقرّب من وينزداي، بينما الآخر -ويمكن القول إنّه الأكثر إلحاحًا- يتعلّق بالجرائم المروّعة الّتي تحدث حول المدينة.
وبخلاف الإصدارات التلفزيونيّة الأولى منها مسلسل الرسوم المتحرّكة عام 1992، ومسلسل عائلة آدامز الجديدة عام 1998 -كان عنصرًا أساسيًّا في طفولتي- لا يتبع مسلسل وينزداي حبكة مشكلة الأسبوع، واختير بدلًا من ذلك لغزًا خارقًا للطبيعة طوال الموسم على غرار مسلسلات «أشياء غريبة» (Stranger Things)، أو «الأخوين هاردي» (The Hardy Boys). وعلى عكس الإصدارات السابقة أيضًا يميل المسلسل أكثر تجاه الجانب المرعب والّذي طالما أحاط بعائلة آدامز؛ ولكن لم تكتشفه النسخ السابقة بالقدر الكافي. ورغم أنّ المسلسل يصلح بكلّ تأكيد للمشاهدة العائليّة، إلّا أن به ما يكفي من الرعب والدمويّة جعلته يحصل على تصنيف رقابي TV-14 فيصلح للمشاهدة من سنّ الرابعة عشر فما فوق.
ومن أكثر الجوانب الّتي يزخر بها المسلسل هو اختيار طاقم الممثّلين: (أورتيجا)، (غوزمان)، (زيتا-جونز)، و(أوسكار أوردونيز) الّذي يلعب دور بجزلي آدامز، كانوا اختيارًا أمثل للعمل، ويبدون كما لو أنّ شخصيّات تشارلز آدامز الكرتونيّة قد دبّت فيها الحياة. تأخذ العائلة هذه الشخصيّات المحبوبة وتجعلها خاصّة بها، مع الحفاظ على الجوانب الّتي اشتهرت بها عائلة آدامز غريبة الأطوار على مدار عقود، وذلك عن طريق منح الطاقة الّتي تبثّ حياة جديدة في الدور. وفي دور (العمّ فيستر) الطريف يعدّ الممثّل فريد آرميسين مصدرًا لبعض اللحظات الكوميديّة الضروريّة، بأداء مرح جامد الملامح تكريمًا للدور الّذي لعبه الممثّل جاكي كوجان في عام 1964. أمّا بالنسبة للشخصيّات الجديدة فالمسلسل أيضًا من بطولة: (جويندولين كيرستي) في دور المديرة ويمز مديرة أكاديميّة نيڤرمور، و(ريكي ليندهوم) في دور الدكتورة كينبوت المعالجة المكلّفة من المحكمة لوينزداي، جنبًا إلى جنب مع زملاء وينزداي في المدرسة بيانكا (جوي صنداي)، وأكزافييه (بيرسي هاينز وايت)، وإياكس (جورجي فارمر)، بالإضافة إلى هانتر دوهان في دور تايلر الابن (العاديّ) لمأمور البلدة، جعلوا العرض متكاملًا حقًّا ليصبح نقطة تقاطع ما بين مسلسل الغموض الخارق للطبيعة ودراما المدرسة الثانويّة؛ ذلك لتوافر جميع سمات دراما المدرسة الثانويّة به مثل: الرقصات المدرسيّة، ومشاكل مع المعجبين، ونوادي ما بعد المدرسة، ومشاكل التكيّف مع المكان؛ ولكن بمظهر جذّاب قاتم مغطّى بنسيج العنكبوت.
وبالطبع فإنّ أبرز ما يميّز فريق الممثّلين -بالنسبة لمحبّي عائلة آدامز- هي الممثّلة كريستينا ريتشي الّتي تلعب دور الآنسة ثورنهيل، إحدى معلّمات وينزداي في نيڤرمور، رغم المشاهد القليلة الّتي جمعت بينهما، وأيضًا رغم الإحالات للعالم الواسع لعائلة آدامز على مدار الحلقات، -عدا الغياب المؤسف للثيمة الموسيقيّة الجذّابة المألوفة للمسلسل- أحيّي الفريق الإبداعيّ على مقاومتهم الرغبة في توضيح تاريخ ريتشي وينزداي.
لطالما انصبّ تركيز الإصدارات السابقة من عائلة آدامز على العائلة ككلّ، سواء تعاملاتهم مع دراما علاقاتهم العائليّة، أو وضعهم في أغلب الأحيان في موقف (نحن ضدّهم)، و(هم) تعوّد على المجتمع التقليديّ، يظلّ هذا الصراع متواجدًا في مسلسل وينزداي من خلال الخوف ونظرات الشكّ من أهالي بلدة جيريكو لمراهقي أكاديميّة نيڤرمور. مع ثماني حلقات مكرّسة للأسرار الّتي تربط بين المدينة والمدرسة، كان أمام المسلسل وقتًا كافيًا للتعمّق في هذا الانقسام مع بعض الفوارق البسيطة وراء فكرة أنّ أحد الجانبين قد يكون على قدر من الخطأ الموضوعيّ. لقد كان أكبر مخاوفي كشخص شاهد وأحبّ كلّ النسخ القديمة من عائلة آدامز يتمثّل في ضياع الخطّ الخفيّ للعائلة، والحبّ والدعم الموجود في كلّ النسخ السابقة لصالح تصوير أكثر جرأة للشخصيّات المعروفة. ولن تك هذه أوّل مرّة على أيّ حال الّتي يحدث فيها تحوّل جذريّ يصعب التعرّف عليه بالنسبة لشخصيّات أعمارها عقود ( يتبادر إلى الذهن مسلسل «ريفرديل»(Riverdale) . وبينما عائلة آدامز ليسوا متماسكين كما كانوا في أفضل إصدار عام 1991 «عائلة آدامز» (The Addams family)، ونسخة 1993 «قيم عائلة آدامز»(Addams family values)، إلّا أنّه من الجليّ اهتمامهم ببعضهم البعض. وأخيرًا، على الرغم من أنّ هذا التناول لعائلة آدامز أكثر قتامة بخلاف المعتاد، إلّا إنّ مسلسل وينزداي يحتفظ بالسمات كلّها الّتي تجعل القصص والشخصيّات مميّزة، ونجح بشكل جيّد جدًّا في دفع القصّة خارج نوعها التقليديّ؛ لتصبح أكثر نضجًا وخارقة للطبيعة أكثر من ذلك بقليل؛ لكنّها لا تزال محبّبة للقلب وبها من الفكاهة والرعب الغريب الّذي سحر عقولنا طيلة عقود.