مصطلح طريق الحمير، أو كما يعرف بـdonkey route، مشتق من الكلمة البنجابية «دنكي»، والتي تعني الانتقال من مكان إلى آخر. وعادةً ما يتضمن ذلك عبورًا حدوديًا غير قانوني عبر طرقٍ غير مباشرة مع توقفات متعددة في بلدان مختلفة، وهي طريقة للهجرة تُستخدم لدخول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا غالبًا. وهذا ما يكشف عنه فيلم «دنكي» (Dunki - 2023)، الذي كتبه هيراني وأبهيجات جوشي وكانيكا ديلون، مشيرًا إلى أخطار الهجرة غير الشرعية، من خلال دراما كوميدية وعرضٍ للمآزق الأخلاقية والقانونية المحيطة بفعل دخول دولة أجنبية دون تأشيرة دخول.
يحكي «دنكي» قصة أربعة أصدقاء من قرية بنجابية في الهند يرغبون في السفر إلى إنكلترا لتحقيق منى عوائلهم، إلا أن لا أحد منهم يملك تأشيرة دخول. يتعرّف الأصدقاء إلى جندي (شاه روخ خان) حيث يعدهم باصطحابهم إلى «أرض الأحلام» التي يأملون الوصول والاستقرار فيها، ولكن كلاً منهم كانت لديه مشكلته، الفتاة كانت أسرتُها تبيع شيئًا من ممتلكاتها في كل مرة للحصول على لقمة العيش وتسديد مستحقات ديونهم، والآخر والدته كانت من أولى النساء اللواتي عملن في الحراسة ببنطال، جاعلةً من العائلة محط سخرية في القرية البنجابية المحافظة، والثالث كانت مشكلته متمثلة في والدته التي لا تستريح حتى لدقيقة واحدة وماكينة خياطتها التي لا تتوقف عن العمل، والأخير، الذي كان من المفترض أن يكون شريكهم في رحلة، كان ينوي الذهاب إلى إنكلترا منذ ثلاثة أشهر لإنقاذ حبيبته جاسي الذي زوّجها والدها برجل بنجابي NRI، أي هندي يحمل إقامة أجنبية، وهو معنِّف مستقر في إنكلترا، حيث كان يضربها حد الموت.
بدأت أول هجرة كبيرة للبنجابيين في الخمسينيات من القرن الماضي، حيث أدى نقص العمالة في المملكة المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إلى قيام الإدارة البريطانية بتشجيع التوظيف من جميع أنحاء دول الكومنولث، وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين رجالاً من الهند وباكستان، الذين بدأوا بعد فترة من التأقلم في الاستقرار بشكل دائم ودعوة أصدقائهم وزوجاتهم وأطفالهم للانضمام إليهم. غالبًا ما وجد هؤلاء المهاجرين عملاً في قطاعات التصنيع والنسيج والخدمات، بما في ذلك عدد كبير منهم في مطار هيثرو، إلا أنه مع تزايد نِسَب البطالة في الهند، وزيادة نسب الهجرة، ازدادت متطلبات الحصول على تأشيرة الدخول إلى إنكلترا، تلك البلد نفسها التي استنزفتهم باستعمارها كليًا، وأوصلتهم إلى ما هم عليه من عجز.
ظهر حينها عدد كبير من مكاتب السفر والوكلاء، حيث عادةً ما يطلب هؤلاء رسومًا عالية مقابل مساعدة الأشخاص على تهريب أنفسهم إلى الدولة التي يختارونها، مقدّمين لعملائهم خيارات محفوفة بالمخاطر، مثل تهريب الأفراد عبر حاويات الشحن أو تزوير المستندات، وفي أحيان كثيرة يهرب هؤلاء الوكلاء بمجرد قبضهم للأموال دون تقديم أدنى مساعدة، كما حصل في الفيلم، ومن بين العواقب المحتملة: السجن والترحيل وربما حتى الموت، وإن وصلوا يمتنعون عن الذهاب إلى الطبيب أو تقديم أي شكوى للشرطة أيًا كان السبب، خشية أن يُرحّلوا.
ذكرت صحيفة «تايمز أوف إنديا»، نقلًا عن هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، أنه قُبض على ما يصل إلى 149 ألف هندي لمحاولتهم دخول البلاد على نحو غير قانوني بين فبراير 2019 ومارس 2023، وكان غالبية المعتقلين من ولاية غوجارات والبنجاب، وكشف المنفذ أيضًا في وقت سابق من هذا العام أن رجلاً يبلغ من العمر 32 عامًا من كيثال، هاريانا، تُوفيّ بعد نقله إلى الولايات المتحدة عبر «طريق الحمير». صرّح شقيق الضحية لوسائل الإعلام في ذلك الوقت: «لقد دفعنا للوكيل 25 ألف روبية، مقدمًا، بعد اقتراض أموال من وكيل العمولة». علم أهله عن وفاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا نادرًا ما يحصل، لأن أكثرهم يموتون في الطريق، ولا يُعثر على جثثهم، دون أن يستطيعوا تأدية طقوس الجنازة لهم، لأنهم لا يعرفون ما إذا كان أحباؤهم على قيد الحياة أو التهمهم طريق الحمير.
تعكس دائرية القصة في الفيلم كل الغموض الذي يواجهه المسافرون أثناء الموازنة بين أهدافهم والطريق الذي اختاروه، الذي يحفّه الموت في كل خطوة، عابرين النهر والصحراء والثلوج دون خرائط. يحدث هذا بعد أن يستنفد الأبطال كل الأساليب المتاحة لخداع نظام اختبار الآيلتس في الفيلم. كل شخصية في الفيلم لديها قصتها الخاصة التي تستحق أكثر من مقدار اللقطات المخصصة لها، لأنها جميعًا تقدّم جوانب مختلفة في نسيج السرد من الدوافع والتجارب الشخصية التي دفعتهم نحو هذا السبيل للنجاة.
لتمويل طموحهم للسفر، يتوجب على أحد الأصدقاء أن يفلس نفسه حرفيًا، ويتوجب من الفتاة أن تتعلم المصارعة حتى تتمكن من التقدم بطلب للحصول على تأشيرة ضمن فئة المسابقات الرياضية، ويتوجب عليهم جميعًا التسجيل في أكاديمية اللغة الإنكليزية المنطوقة التي يديرها جيتو، الذي يؤكد أن السفر إلى إنكلترا سيكون «قطعة من الكعكة»، لكنهم جميعهم يفشلون في تخطي اختبار اللغة الإنكليزية، ما عدا واحدًا منهم بأعجوبة القدر، ويذهب كل ما أهدره البقية من مال في مهب الريح، ويفقدون أحد رفاقهم محترقًا بغمه على حبيبته التي لم يستطع أن ينقذها من فك زوجها السفّاح.
هكذا تبدأ رحلتهم نحو عالم لا يكون فيه لدى حرس الحدود المستعدين أي مخاوف بشأن إزهاق أرواحهم أثناء أداء واجبهم. إن تصوير «دنكي» لمحنة أولئك الذين يشعرون بأنهم مجبرون على مغادرة قريتهم بحثًا عن فرص أفضل قد يُنتقد أحيانًا لإضفاء الطابع الرومانسي على مآثر أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إلى دخول المملكة المتحدة من دون تأشيرة. يبدو اختيارهم للعيش أشبه بانتفاضة ضد معاملة النظام الاستعماري البريطاني لشبه القارة الهندية. في عالم تكون فيه للقوانين واللوائح الأسبقية على حساب احتياجات الناس ومشاعرهم، وحيث تضع الحدود الفقراء، الذين ليس لديهم سوى قليل من فرص الحصول على الثروة والتعليم، في وضع تنافسي غير مؤاتٍ يدفعهم لاتخاذ إجراءات مميتة، للجوء إلى إنكلترا، البلد الذي لا يرفض البضائع الأجنبية، يشرب شايًا سريلانكيًا، ويأكل بيتزا إيطالية، ويقود سيارات ألمانية ببترول سعودي، لكنه يرفض المهاجرين من غير لونهم.
على الرغم من أن دنكي لا يعبر الحدود تمامًا، فإن المسار الذي يسلكه هو المسار الذي يدفعنا للنظر لما قبل 140 عامًا، إلى وقت لم يتطلب دخول أي بلد تأشيرة للدخول، تلك التأشيرات التي جلبت معها تمييزًا مجحفًا، مانعًا الفقراء وحدهم من عبور الحدود، دافعًا أكثر من 100 ألف هندي لسلوك «طريق الحمير» كل عام بحثًا عن حياة جديدة، وممن استطاع النجاة، كان 5% فقط مَن استطاعوا زيارة بلدهم مرة أخرى بعد المغادرة بسبب منع دول اللجوء رجوعهم لبلدهم الأم، مختبرين دنكي آخر، دنكي البعد عن الأحباب.