سطار نظرةٌ على السرد والصورة والديكور والموسيقى.

January 8, 2023

في فترة الطفولة -وقد تمتدّ للمراهقة في حالات أقلّ- يتخيّل البعض أنّه مصارع فيقوم بأداء بعض حركات المصارعين مع إخوانه وأصدقائه، ثمّ مع مرور الوقت تنتهي هذه الممارسة. لكنّها لم تكن كذلك بالنسبة لسعد بطل فيلم (سطار: عودة المخمس الأسطوريّ)، وفي السطور التالية نستعرض الفيلم بنظرة أوسع تشمل السرد والصورة والديكور والموسيقى، لذلك إن لم تكن شاهدته بعد فإني أدعوك للتوقّف عن القراءة والعودة مرّة أخرى بعد المشاهدة حتّى لا نحرق عليك القصّة.

قصّة الفيلم بالمجمل شيّقة وممتعة ومن نوع الأكشن الكوميديّ الّذي يلقى رواجا في شبّاك التذاكر، وإن كانت جرعة الأكشن مخفّفة وغير دمويّة ليتمّ تصنيفه PG12 ويستطيع أكبر عدد من الأعمار مشاهدته. يروي لنا الفيلم قصّة سعد (إبراهيم الحجّاج) الّذي دفعته حياته الشخصيّة والمهنيّة المتعثّرة إلى متابعة حلم الطفولة بأن يصبح لاعبًا في المصارعة الحرّة بالتقديم على تجارب أداء ولكنّه يفشل وينتشر مقطع هزيمته في التواصل الاجتماعيّ ليتّفق لاحقًا مع علي هوغين (عبدالعزيز الشهريّ) "أبو هغهوغ أشهر مدير أعمال مصارعين فيكِ يا منطقة" ليقوم بضمّه إليه في مصارعات الأندرجراوند، ومن هناك يبدأ البطل سعد مغامرته في الحفرة، ليشارك في بطولة "الرنّ والتليين الثامنة"، ودافعه فيها الإيفاء بمتطلّبات الزواج المادّيّة حتّى يتزوّج من فلوّه (شهد القفّاري)، في حين تشهد القصّة الفرعيّة رصد نشاطات الحلبة المشبوهة وكيف تسعى السلطات الأمنيّة لتفكيكها بمتابعة من راشد المتنكّر في شخصيّة (عبد الخالق إبراهيم الخيرالله).

وبالعودة للتفاصيل يبدأ الفيلم بمشاهد متّصلة سريعة نرى فيها سعد في مراحل مختلفة من طفولته وهو يلعب المصارعة في المنزل بإشراف من جدّه ثمّ نراه في المدرسة وفيها يفشل في لعب الكرة ويصل الأمر إلى تندّر زملائه ومدرّسه عليه حتّى ينتهي الحال به وهو محاط بجمع من الطلاب مقدمين على ضربه. اختصرت علينا هذه المشاهد، في البداية، الكثيرَ لأجل تعريف الشخصيّة، كما أن الصراعات الّتي كان يخوضها البطل سعد كانت في مواضع مناسبة وتوقيت سليم في النصّ. وقد كتبت بطريقة الفصول الثلاثة، حيث جاءت كلّ نهاية وبداية لكل فصل في محلها وفي توقيت محكم، إلا أن هذه الصراعات كانت تحتاج إلى رفع مستوى خطورتها خاصّة على مستوى الحلبة، ولأنّها أندرجراوند فكلّ شيء مسموح. لذلك كان من الغريب عدم رؤية الكرسيّ وغيرها من الأدوات المعروفة في الحلبة. 

أما الفيلم الذي تمتد مدة عرضه إلى 85 دقيقة تقريبًا، فإنه كان بالإمكان أن يصل إلى ساعتين في حال تمّ تعزيز المحاور الأخرى للشخصيّات حوله، وبناء خطوط سردية فرعية لها تسمح لها بالتطور خلال الفيلم، فتنطلق من حالة لتنتهي إلى أخرى بحلول نهايته، كما حدث مع شخصيّة عبدالخالق مثلًا. ولعل خوفا ما من فقدان المشاهد لحماسه بعد ساعة ونصف قد حال دون ذلك، وهذا أمر وارد في أكبر الأفلام. في المجمل، كانت قصّة الفيلم بسيطة لكنّها رغم ذلك تنجح في انتزاع الضحكات منك في أغلب المشاهد، تحقيقا للمطلوب في هذا النوع من الأفلام. وقد جعلني هذا الفيلم أتساءل عن كيف كان مصير سعد سيكون لو تمّ تنمية حبّ الكرة فيه من طرف جدّه؟ وهل كان سيتغيّر مستقبله إثر ذلك؟ وهذا ما يدفعنا للتفكير في الخيارات الّتي ندفع الأبناء نحوها قسرًا دون أن نشعر.

في جانب الأداء التمثيليّ رأينا بطل الفيلم إبراهيم حجّاج في دور مختلف وأداء جميل، خاصّة في المشاهد الرومانسيّة والمشاهد الثنائية التي جمعته مع عبدالعزيز الشهريّ في شقّته، ومع جدّه في المنزل، وبالطبع مشاهد الحلبة بالمجمل. حيث قدّم إبراهيم أحد أفضل أدواره باقتدار رغم الصعوبات الّتي واجهته في تنفيذ المشاهد القتاليّة داخل الحلبة.

إلى جانب إبراهيم، فقد تألق البطل الثاني عبدالعزيز الشهريّ بأداء استثنائيّ في الفيلم، ومن يشاهد أعماله يدرك أنّنا أمام موهبة فذّة، إذ تمكن من إضحاكنا طوال الفيلم وأطربنا في مشهد الشيلة وربّما كان سيبكينًا أيضا إن أتيحت له الفرصة في النص. أما دور "علي" هنا فهو مستوحى من دور "علي" في حلقة "العضلة الصدقة" حسبما أفاد منتج العمل إبراهيم خيرالله، الذي كان بدوره البطل الثالث. وقد نقل الفيلم إلى مستوى آخر بدخوله في الأحداث، مستخدمًا مفردات جميلة، من بينها: «سطار .. سرتار كلو مسلم إن شاء اللّه» فهي تمثّل محبّة الباكستانيّين للإسلام ودفاعهم عنه، فمهما اختلفت أسماؤنا يجمعنا دين واحد. وقد أجاد إبراهيم تقديم وأداء شخصيّة عبدالخالق كعادته، فيما كان التحدّي أقلّ في تجسيده لشخصيّة راشد، إذ خلت من المواجهات أو الاشتباكات. حتّى مشهد سيطرته على الحلبة قد جاء بلقطة واسعة لم تظهر ملامحه بوضوح عدا كونه كان بالزيّ الباكستانيّ بدلًا من الثوب. اصطبغ الفيلم في مجمله بصبغة ذكوريّة إلا أن قصّة فلوّه نجحت في إعادة قدر كبير من التوازن، وكان ظهورها لأوّل مرّة في السينما بمثابة تحدّ كبير، تجاوزته بنجاح ُيحسب لها رغم الحيّز البسيط الّذي نالته من الظهور في مشاهد الفيلم.

شهد الفيلم كذلك عودة الفنّان القدير عبدالعزيز المبدل إلى الشاشة ولكنّه أطل هذه المرة من الشاشة الكبيرة. فرغم محدوديّة الممثّلين في هذه الفئة العمريّة، ومن ثمّ قلّة الاختيارات أمام المخرج، إلّا أنّ المبدّل قدّم أداءً مقنعًا وممتعًا ومضحكًا أحيانًا تماما كما كان في بداية الفيلم.  جديرٌ بالذكر الإشارة إلى أنّ الفيلم قد شهد مشاركة عدد من المؤثّرين، وقد قام إبراهيم الخيراللّه بالإشراف على تدريب الممثّلين. وقد شهدَ الفيلمُ ظهورًا قصيرًا ومميّزًا لمعاذ المرّي صاحب سلسلة "حفريّات" المعروضة على يوتيوب، حيث كشف عن كاريزما رهيبة كانت تختفي خلف رسومات "الثريدي 3D" في يوتيوب، والتي نأمل أن يعقبها المزيد من الأعمال التي تجسد شخصيّة شبيهة بتلك. 

كان مخرج العمل عبداللّه العرّاك رشيقًا في بناء مشاهد الفيلم، حيث استعمل في ذلك لقطات تصويرية متنوعة، انتقلت ما بين اللقطات الثابتة في المنزل والمكتب والسيّارة، وبشكل أقلّ في الحلبة وما بين اللقطات المتحرّكة على الرونين في مشاهد الحلبة. كما أنّه أعطى مساحة للحوارات لتأخذ وقتها وحضورها في القصّة، ولم يعتمد على أسلوب القطع السريع للقطات المُرافَق بالتأثيرت الصوتيّة المصاحبة، وهو الأسلوب المعتاد الذي تتقنه "تلفاز "11 على نحو محترف دون غيرها من الأستوديوهات المحلية، فكانت لمسة عبدالله العراك من خلال ذلك استثنائية، وأعطت لهذا العمل من "تلفاز "11 صوتًا إخراجيًّا مختلفًا.

أما بخصوص التصوير فقد كان بقيادة مدير التصوير محمّد طارق دراز، والمتابع لصورة دراز يجد أنّه أخرج أكثر من عمل إعلانيّ حيث سادت في أعماله أجواء ومشاهد شبيهة بأجواء الفيلم، إلا أنها على مستوى تميزت بكثافة وحضور أكبر، وهذا ما جعله خيارًا مثاليًّا. وقد اعتمد في إضاءته على الإضاءة الخافتة الناعمة. كما اعتمد إضاءة صفراء في غالب مشاهد الحلبة، حيث كان الظلام يطغى على أجزاء من الصورة فيما تحتشد الخلفيّة بالدخان لتفصِل الممثّل عن الجماهير المزدحمة في الخلف، فتعطي بذلك عمقًا أكبر للصورة. وقد رأينا في مشاهد الحلبة كيف استخدم دراز الإضاءة العلويّة الموجّهة للرأس أو الشعر مع الضوء الرئيسيّ ببراعة، فيما كانت الإضاءة التكميليّة في بعض المشاهد أقلّ من الرئيسيّة إلى حدّ بعيد، وخاصّة تلك الّتي نرى فيها سعد يكذب على فلوّه. ففيها نرى وجه سعد وقد أصبح مظلمًا بينما يمتد نور بسيط على جانبه الآخر. أمّا الإضاءة المستعملة في بيئة العمل فكانت أقرب إلى الإضاءة المتوازنة. حيث كانت ملامح سعد فيها واضحة جدًّا، تماما مثل قاعة تجارب الأداء. في حين أنّ بيت جدّه لم تكن الإضاءة فيه بذلك الوضوح كون مشاهد الجدّ في غالبها كانت أثناء مشاهدتها التلفاز ومن ثمّ يكون النور مطفئًا لخلق أجواء حماسيّة للمشاهدة وكانت جميع مصادر الضوء الّتي رأيناها في الفيديو لها ما يبرّرها إمّا نيران أو عمود إنارة في الشارع أو أضواء علويّة في الحلبة ساعده في تنفيذها فريق كبير بمعدّات حديثة من شركة سيني كرو.

والصورة ككلّ في الفيلم كانت احتوت على ألوان رئيسيّة وأخرى ثانويّة فالكلّ لاحظ كثافة ظهور اللون الأصفر من الشعار وبدلة البطل إلى الأنوار مرورًا بالنار في الطريق للحفرة وحتّى كرت علي هوغن كان التصميم باللون الأصفر أمّا اللون الثاني  فكان التركواز وتدرّجاته نحو الأخضر وعبّر عن الرغبة بإزالة التوتّر وهو ما كان يعاني منه سعد في العمل مع مديره وفي علاقته مع فلوّه وأمّها وظهر هذا اللون في سيّارة سعد وديكور العمل وبعض القمصان الّتي ظهر بها ومنها بدلة المصارعة وظهرت درجات هذا اللون في مشهد البحث عن الشقّة وغيرها فاللون الأصفر من دلالته أنّه يعكس الثقة في النفس ومن شأنه التأثير في رفع المعنويّات وهو أمر كان بحاجته البطل سطار فيما أضافت الإضاءة الصفراء أجواء من الحماس والإثارة فيما كان اللونان الثانويّان اللّذان لاحظت وجودهما بشكل أقلّ الأزرق والأحمر وجميع الديكورات والتفاصيل الفنّيّة الّتي شاهدناها كانت تحت إشراف نورا باعقيل وفريقها الفنّيّ من مخزن 7.

تميّز الفيلم بأغاني خاصّة بألوان فنّيّة منوّعة فرأينا مشهدًا كوميديًّا نسمع فيه أغنية لفرقة الروك السعوديّة ساوند أوف روبي وقائدها القدير محمّد حجّاج الّذي يشكّل أحد الأسماء الكبيرة في ساحة الروك السعوديّة فهذه ولموسيقى الروك ارتباط مميّز بالمصارعة فقد قال عنها المصارع مارك أندروز في أحد لقاءاته "لا من شيء يقارن بالدخول على أنغام الجيتارات وهي تعزف ألحان موسيقى الروك" لهذا كان سماعها مع مشاهد الدرّون للرياض ذي إحساس مختلف يعكس حيويّة العاصمة،الفيلم شكّل كذلك الظهور الثاني للقيادات العليا بعد مشاركتهم بأغنية شغب في شمس المعارف كذلك لم واستمعنا لجزء من أغنية العوّ المصريّة وتمّ استخدامها في محلّها وكذلك الحال مع شيلة سطار والّتي كانت بصوت المؤدّي حسين آل لبيد وشاركها عبدالعزيز الشهريّ صاحب التجارب المتعدّدة في الأغاني من خلال الأعمال الّتي شارك فيها مع تلفاز 11 و ميركوت هذه الشيلة تمّ نشرها مستقلّة بعد الفيلم وهو نمط أصبحنا نراه فيما يبدو في الأعمال السعوديّة وسيستمرّ في بعضها متى ما دعت الضرورة لذلك ومن الأغاني الّتي عرضها الفيلم أغنية لازم فوز غناء إبراهيم الخيراللّه والمغنّي السودانيّ دافن شي وهو ثالث تعاون لتلفاز 11 مع فنّانين سودانيّين حسبما أذكر والكليب الّذي تمّ نشره جميل في مشاهده خاصّة الأخير منه.

الفيلم الّذي كان عرضه الأوّل في مهرجان البحر الأحمر ديسمبر الماضي لم يكن عودة للمخمس الأسطوريّ فحسب بل عودة للقصص الناجحة الّتي تبيع في شبّاك التذاكر وهذا أمر راهن الكثير عليه وأنا منهم عطفًا على تجربة تلفاز 11 فهذه السنوات الطويلة من صناعة المحتوى اليويتوبي كأفلام قصيرة حتمًا ستثمر يومًا ما في فيلمهم الطويل الأوّل وهذا ما حدث مع سطار وهو باكورة أعمال أفلام الشميسي الذراع الإنتاجيّ الجديد لاستديوهات تلفاز 11 وبتعاون مع الشريك موفي ستديوز هذه الشراكة التي يبدو أنّنا سنرى لها وجودا وحضورا أكبر في المستقبل، فحسب تصريحات سابقة لرئيسها فيصل بالطيور ذكر بأنّه يحبّ الإنتاج المشترك لأنّه يرغب بتقاسم المخاطر وهذا يعطينا نظرة بسيطة عن صناعة السينما وكيف أنّها قائمة على المخاطر ولكن في الوقت نفسه تحقّق مكاسب عالية إن حصدت تلك الأفلام النجاح. فكما قال المنتج إبراهيم الخيراللّه في لقائه في برنامج ياهلا "جازف بشكل عالي وستأتيك الإيرادات بشكل عالي". ورغم أنّ التخوّفات من الفيلم السعوديّ ما تزال تسيطر على بعض المنتجين والمستثمرين إلّا أنّني قرأتها بأنّها بداية لأعمال أكثر تنوّعًا وثراء من حيث القصص والممثّلين والكوادر العاملة في هذه الأعمال. هذا التنوّع الذي لمسناه في الفيلم، بداية من اختيار المخرج الكويتيّ عبداللّه العرّاك في فيلمه الطويل الأوّل، إلى جانب مشاركة الكاتب المصريّ أيمن وتار في مراجعة هيكلة ووقفات السيناريو بالمشاركة مع إبراهيم الخيراللّه الّذي قاد ورشة الكتابة مع أسامة الفاضل ووائل السعيد ونورا الحميد، كما حضر التنوّع كذلك باختيار مدير التصوير المصريّ محمّد طارق دراز. وهنا نختم بأنّ صنّاع العمل وجدوا الخلطة الّتي تعجّب الناس ليحصدوا ثمرتها بتصدر شبّاك التذاكر السعودي.

الهوامش:

اشترك في النشرة البريدية

احصل على أحدث المقالات والأخبار مباشرة في بريدك الإلكتروني
تم إضافتك ضمن النشرة البريدية, شكرًا لك!
نعتذر حدث خطأ, الرجاء المحاولة مرةً أخرى