ينتمي فيلم «انفجار» (1981 - Blow out)، للمخرج برايان دي بالما، إلى سياق سينمائي يرتبط بفيلمين شهيرين، الأول هو فيلم «انفجار» (1966 - Blow-Up) للمخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني، والثاني هو فيلم «المحادثة» (1974 - The Conversation) للمخرج فرانسيس فورد كوبولا. تتقاطع الأفلام الثلاثة في طريقة تعاملها مع تقنيات الصورة والصوت، إذ يبدو أن الصوت والصورة يحملان، في عيون أبطال الأفلام الثلاثة، شيئًا آخر يتجاوز ما هو ظاهر على السطح، ليكشف عن جريمة خفية.
يدور فيلم «بلو آوت» حول جاك تيري، فني المؤثرات الصوتية السينمائية (قام بالدور الممثل جون ترافولتا)، الذي يبحث مع سام مخرج أفلام الرعب الرخيصة، عن صرخة ملائمة لمشهد تُقتل فيه فتاة على طريقة جانيت لي، بطلة فيلم «سايكو» (Psycho 1960) لألفريد هيتشكوك. وقد كانت استعارة الصرخة هذه وإحالتها لفيلم «سايكو» بمثابة تحية كبيرة من براين دي بالما لهيتشكوك، وستستمر هذه الإحالة، المحمّلة بروح الكوميديا السوداء، في ملازمة فيلم «بلو آوت» حتى نهايته.
يطلب المخرج سام من جاك دبلجةَ صرخة الفتاة في الفيلم، وتسجيل أصوات رياحٍ جديدة غير الأصوات التقليدية التي أُستخْدِمت مئات المرات من قبل. يضع دي بالما هنا لمسة من الكوميديا، إذ يجعل سام -المخرج المتواضع على مستوى الجانب البصري- يطلب من جاك فني الصوت، تدقيقًا مثاليًا في مهنته، وكأنّ القيمة الجمالية للفيلم، في نظره، تتوقف فقط على المؤثرات الصوتية.
وللحصول على مؤثرات صوتية جديدة، يذهب جاك إلى حديقة في مدينة فيلادلفيا ليلًا ومعه عدة تسجيل الصوت وعصا الميكروفون، ليلتقط أصوات الرياح، وبالصدفة، يلتقط المُسجل حادثة انحراف سيارة من فوق الجسر وسقوطِها في المياه. يترك جاك معدات التسجيل، ويقفز في المياه، لإنقاذ مَنْ بداخل السيارة. ينجح في إنقاذ سالي (تقوم بدورها الممثلة نانسي ألين) من الموت، بينما يموت سائق السيارة، وهو مكراين، حاكمُ ولايةٍ مشهور، كان على وشك أن يُصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية.
في المستشفى، يطلب أحد مساعدي مكراين من جاك -فيما يُشبه التهديد- نسيانَ واقعة وجود سالي مع رئيسه في السيارة، حرصًا على سمعة السياسي المشهور وعائلته، أي باختصار من أجل التكتم على الفضيحة السياسية خوفًا من الصحافة. وبما أن السياسة مرتبطة دائمًا بالأخلاق، فهي فضيحة أخلاقية أيضًا.
سالي فتاة مجهولة، بريئة، تعمل لدى مصور فوتوغرافي يُدعى ماني (يقوم بالدور الممثل دينيس فرانز)، يستغلها في ابتزاز السياسيين الأثرياء، بالتقاط صور محرجة لهم برفقتها. يبيع ماني لقطات حادثة سيارة الحاكم مكراين لإحدى المجلات، مُدعيًا أنه كان متواجدًا بالصدفة في الحديقة عندما رأى سيارة الحاكم وهي تنزلق من فوق الجسر وتسقط في المياه.
يبدأ جاك في التحقق من شريط الصوت المُسجل في مكان عمله، وهنا يستعرض دي بالما تعقيدات آلات تسجيل الصوت الاحترافية أثناء استعادة جاك لكل الأصوات التي خالطت حادثة انزلاق السيارة من فوق الجسر. يمسك قلم الرصاص ليحاكي به عصا الميكروفون، ثم يقوم بإعادة خلق التدرج الزمني للأصوات. يكتشف وجود صوتين متتابعين قبل سقوط السيارة: صوت رصاصة، والآخر صوت انفجار إطار السيارة.
في فيلم «بلو آب»، كان بطل أنطونيوني يفكّ رموز صورة فوتوغرافية تتعلق بجريمة التقطتها كاميرته. ولم يكن معنى الانفجار في عنوان الفيلم ماديًا، بل مجازيًّا وفلسفيًّا ينسجم مع طابع السينما الأوروبية، أما فيلم «بلو آوت» لدي بالما، فينتمي إلي السينما الأمريكية، إذ يحمل الانفجار فيه معنى حرفيًا يتمثل في انفجار إطار سيارة الحاكم مكراين، لأن السينما الهوليوودية مهما ابتعدتْ عن الجماهيرية، فإنها لن تجعل الجريمة مطية لمعنى فلسفي غامض.
في مواجهة مؤامرة محتملة ومحاولة اغتيال، ينجذب جاك إلى سالي وينخرط في علاقة رومانسية معها، ويحكي لها عن عمله السابق مع الشرطة كخبير للتنصت، وكيف انتهى عمله بمأساة عندما ألصق جهاز التنصت في ملابس زميله لتسجيل حديثه مع رجل عصابات، لكن بطارية الجهاز بعثت حرارة شديدة على جسد زميله الذي أخذ يتعرق بشدة، فاكتشف رجل العصابات أمره، وشنقه في دورة المياه.
يحصل جاك على مجموعة من اللقطات المتتابعة من الصحيفة الشعبية التي نشرت صور ماني الفوتوغرافية، فيقوم بدمجها مع تسجيله الصوتي، مما يعزز من شكوكه في أن الحادثة هي جريمة قتل مُدبرة، لكنه بحاجة إلى النسخة السلبية الأصلية، لإثبات الجريمة، أي نيجاتيف الصور الفوتوغرافية الموجودة لدى ماني.
أثناء تحقيق جاك في الجريمة، لا ينسى دي بالما لمسة الكوميديا السوداء، إذ ما زال المخرج المتواضع سام منغمسًا في البحث عن صرخة فتاة لفيلمه. ثلاث فتيات يصرخن بالتناوب صرخات بشعة، ويقع عبء اختيار الصرخة المناسبة على جاك.
يُضفي دي بالما على فيلمه «بلو آوت» طابعًا تشويقيًا مُرعبًا، من خلال سلسلة جرائم قتل غير مترابطة يرتكبها "خانق جرس الحرية" في فيلادلفيا، وهو قاتل شرير يُدعى بيرك. يقتل فتيات الليل خنقًا، ويترك جرس الحرية محفورًا في أجسادهن، غير أنّ هذا القتل لا يعدو أن يكون ستارًا دخانيًا؛ إذ تم الاتفاق معه على قتل سالي وتدبير حادث موتها ليبدو وكأنه غير مرتبط بالاغتيال السياسي الذي شهدته. وفي الوقت نفسه، يواصل بيرك قتل نساء أخريات، معتبرًا هذه الجرائم مكافأة إضافية على مهمته الأساسية. ومع ذلك، ينغمس القاتل في شعور غريب بالرضا عن جرائمه التي يرتكبها بطريقة مخيفة، فهو مجنون محض، لا يحركه سوى تعطشه للدماء.
في الوقت نفسه، يطارد جاك فضولَه ويسأل سالي عن الحادثة، ليكتشف أنها استُخدمت لإقامة علاقة مع مكراين، حيث دبّر ماني الأمر والتقط لها صورًا حميميةً معه بهدف تشويه سمعة مكراين السياسية. ومع ذلك، لم يكن ماني ولا سالي يتوقعان أن يصل الأمر إلى اغتيال الحاكم الشهير. وحتى مع امتلاك جاك دليله الصوتي، ترفض السلطات تصديق نظرية المؤامرة التي صاغها؛ فبعد مرور سبع سنوات فقط على فضيحة ووترغيت، كان الجميع يفضّل تصديقَ أن وفاة السياسي مكراين لم تكن سوى حادث عرضي.
يمثل جاك نموذج البطل الخيّر المثالي، غير أنّه يفتقر إلى ذلك القدر من الارتياب المفرط الذي يتميز به بطل فيلم «المحادثة» لكوبولا، وهو ما يجعله أقرب إلى تقاليد السينما الهوليوودية. يقوم جاك بحماية الأبرياء والسعي إلى كشف الحقيقة، وبالطبع يقع في حب سالي، تلك الشخصية الساذجة والضعيفة التي يستغلها الجميع. يستعين بها للحصول على لقطات ماني الأصلية، ومن خلال الدمج بين الصوت والصورة، يتمكن من تكوين رؤية كاملة لحادث إطلاق النار الذي سبق الانفجار. بعدها يتصل جاك بمراسل يعِدُه بنشر تفاصيل المؤامرة إلى جانب لقطات جاك الجديدة. يُرتب جاك وسالي اللقاء مع المراسل الصحفي في محطة قطار. تضع سالي جهاز التنصت بنفس الطريقة التي تسببت في موت محقق الشرطة، ذلك الحدث الذي ما يزال يلاحق جاك بشعورٍ عميقٍ بالذنب منذ وقوعه.
يرسل جاك إلى سالي برقيةَ استماعٍ من بعيد، ويسودُ المشهدَ توترٌ خانق. يتخذ جاك كل الاحتياطات اللازمة، لكنه سرعان ما يفقد رؤية سالي وبيرك، فلا يسمع سوى أصواتهما تتردد في محطة مترو الأنفاق. يزداد التوتر مع صخب احتفالات يوم الحرية، فيما تُبطئ الحشود الغفيرة من سعي جاك اليائس للوصول إليهما. يسمع استغاثة سالي وصرختها الأخيرة الحقيقية، تلك التي تناقض الصرخة المصطنعة في فيلم الرعب الرديء لصديقه المخرج سام. يصل جاك متأخرًا؛ بعدما قُتِلت سالي، فيقتل جاك بيرك. وفي غرفة المونتاج، يبتهج سام بحصوله أخيرًا على صرخة مناسبة لمشهد الفتاة في فيلمه الرخيص، وحين يسأل جاك عن رأيه في الصرخة، يجيب: «إنها صرخة جيدة».