«أربعون عامًا وليلة».. بطء الإيقاع يطيح بقصة مشوّقة

January 4, 2024

يحفل المشهد السينمائي في السعودية بعشرات المواهب الكبيرة على مستوى التمثيل، الإخراج، التصوير والمونتاج والعمليات الفنية، وبالرغم من جودة الأفكار التي يقدمها هؤلاء المبدعون، فإن النصوص التي تمثل حجر الأساس لأي عمل سينمائي لا تزال تراوح مكانها بين الضعف والجودة المتوسطة، ونادرًا ما نجد فيلمًا يرقى إلى مطمع أن يكون نصًا ساحرًا، وحوارًا فذًا، ويكاد يكون هذا العنصر أمرًا مشتركًا بين غالبية الأفلام الجديدة، إلا ما نجا منها بأعجوبة الكتابة، والنص القادر على الوصول بفريقه إلى بر الإبداع.

ينطبق هذا أيضًا على فيلم «أربعون عامًا وليلة» (2021)، الذي أخرجه محمد الهليل، وشارك في كتابته مع الكاتبة بشاير الصومالي، عناصر جيدة كثيرة اجتمعت فيه، لكن الفيلم رغم ذلك لم يخرج على النحو المتوقع من فريق بارع. أُنتج الفيلم بدعم من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وحصل الفيلم في الدورة السابعة من مهرجان «أفلام من السعودية» على ثلاث جوائز، الأولى لبطل الفيلم مشعل المطيري الذي نال جائزة أفضل ممثل عن دوره، وهي جائزة مستحقة نظير الأداء الاستثنائي لحائزها، والموسيقية غيا الرشيدات عن أفضل موسيقى تصويرية، وجائزة النخلة الذهبية للجنة التحكيم، التي تدفع للتساؤل حول المعايير التي اعتمدتها اللجنة لاختيار وجهة جائزتها ومنحها للفيلم، أو إن كانت بقية الأعمال المشاركة أقل جودة منه، كما عُرض الفيلم أيضًا في عدد من المهرجانات والمناشط المحلية والعربية، وربما حظي بقبول معقول، قبل أن يصبح متاحًا للمشاهدة عبر منصة البث المرئي «نتفليكس».  

تدور أحداث الفيلم في ليلة العيد، حيث تجتمع الأسرة المكونة من أبوين وأبنائهما الخمسة، قبل أن يَبلغهم خبر إصابة الأب في حادث سيارة، وفي المستشفى، وبينما هم يطمئنون على نجاته، تتكشّف الخيوط الأولى لكونه متزوجًا بامرأة أخرى، وتجسد الأحداث اللحظة الحرجة، إذ يفتح هذا الحادث بابًا للكشف عن الأسرار والصدمات، حين يكتشف الأبناء أن والدهم لديه حياة موازية وزوجة أخرى لم يكونوا يعلمون عنها، ثم يبدأ الإيقاع الدرامي في التصاعد، ليكشف عن خبايا أخرى بين الإخوة ذاتهم، الذين يتخذون مواقف متضاربة حيال الأمر، وكيفية التعامل معه، ويقدم الفيلم رحلة عاطفية ودرامية معقدة تكشف عديدًا من الجوانب البشرية والتحولات في حياة أفراد الأسرة بعد معرفة تلك الخبايا، وتعكس ردودُ أفعالهم تباينًا في التعامل مع هذا الكشف الصادم. الأخ الأكبر يجد نفسه مضطرًا لمواجهة الوضع الحرج والتحدث مع أفراد العائلة حول حقائق مؤلمة، واختراع تبريرات لإخلاء ساحة الأب مما يراه إخوته تهمة، وفي الوقت ذاته، تجد الأخت المتزوجة نفسها في مأزق إضافي بين إخوتها، بينما هي غارقة في مواجهة مشكلاتها الشخصية.

من الأمور اللافتة في الفيلم، العمق النفسي للشخصيات وَوضوح ملامحها، حيث نرى كيف تتبدل مشاعرهم مع تقدم الحدث -البطيء جدًا- وكيف يتحتّم عليهم مواجهة مخاوفهم واستكشاف إمكانية التعامل مع واقع جديد، كما يقدم الفيلم رسالة واضحة حول قيمة الأسرة، التي تتشابه اجتماعيًا في تفاصيلها مع أغلب عائلات الطبقة الوسطى، ويشير بوضوح إلى أن الأسرار مهما بدت صغيرة، فإنها قد تؤدي بالضرورة إلى الخيبات وتفكك العلاقات العائلية، إضافة إلى أن المخرج يقدم نهاية مفتوحة تتيح للمُشاهد إمكانية رسم المسارات التي يمكن تخيّلها نتيجةً لوضع مثل الذي يطرحه الفيلم.

تألَّق الممثلون جميعهم في أدائهم، ونجحوا في تجسيد الشخصيات على نحو مميز، ولعلنا نشيد هنا بالأداء البارع للممثل الموهوب خالد صقر، والنجم مشعل المطيري الذي يستند إلى موهبة مطبوعة وخبرة طويلة في مجال التمثيل، دون انتقاص من موهبة بقية الممثلين الذي قدّموا شخصيات متباينة، مستقلة لا تتشابه، ويتضح أن كلاً منهم أخذ مساحته كاملة من الحكاية، وقدّمها على نحو مؤثر أظهر قدراتهم في التعبير عن المشاعر المعقدة والصراعات الداخلية التي تواجههم، ومنح القصة طابعًا إنسانيًا صرفًا، تختلط فيه الرؤى والعواطف بالقرارات الصائبة، والقدرة على مواجهة الصعوبات داخل الأسرة.

وبالرغم من تعقيد الحكاية وقدرات الممثلين، فإن النص ظهر ضعيفًا، والحوار كذلك، وبدا غير منطقي في مواضع عدة، سواء في المحور الرئيس للحكاية، أو في تعقيداتها الجانبية التي ظهرت في حوارات الإخوة بينهم وبين بعض، واختلافهم في مشروعية فعل الأب، أو ضرورة إبلاغ الأم بفعلة أبيهم وانقسامهم حول ذلك. ربما استطاع مشعل المطيري التفوق على النص بقدراته التمثيلية والحدّة التي تطلّبتها الشخصية لعرض إمكاناته بوصفه ممثلًا قديرًا، لكن هذا لم ينطبق على بقية طاقم التمثيل الذين تفاوتت جودة حواراتهم بسبب ضعف النص، وبطئه الذي يتطلب تفصيلًا للوقوف عليه.

يتطلب هذا النوع من الحكايات السينمائية بثّ نوع من الترقب لدى المُشاهد، وقد يكون البطء عنصرًا مهمًا بشكل ما للنجاح في إيصال هذا الشعور، لكننا في «أربعون عامًا وليلة» نواجه إفراطًا غير مبرر في البطء، ربما كان كافيًا لحذف ثلث وقت الفيلم دون إحداث خلل فيه أو في خط أحداثه، وقد تمتد بعض المَشاهد لفترات طويلة دون وجود مِفصل رئيس يبدّل الحالة النفسية للمُشاهد، أو يطوّر دور الشخصية، وهو ما يخلق إحساسًا بالملل لدى المتلقّي إذا لم تتطور الحبكة الرئيسة. ينطبق الأمر على الحوارات التي لا تتطلب هذا الكم من الجمود والصمت، وبدلًا من حماس ترقب الحدث، ننتقل إلى خانة الشعور بالضجر لمعرفة ما سيحدث بعد قليل، ناهيك عن بطء التصوير في اللحظات الهادئة، وانتقال الكاميرا غير المدروس في توقيته الذي يسبب شعورًا بالتمدد في الزمن، وعبئًا على الفيلم لم يكن ثمة داعٍ له.

الأصوات والموسيقى لعبت دورًا مهمًا في الفيلم، لكن بالرغم من جودة الموسيقى فإن بعض المؤثرات الصوتية أسهمت في ترسيخ الحالة البطيئة للمَشاهد، وكلما أصلحت الموسيقى مشهدًا، أفسده البطء.

قصة الفيلم وحبكته جاذبتان، وكان ممكنًا لمخرج العمل أن يتجاوز بعض الأخطاء التي أدّت إلى تمطيط المَشاهد وخلقت حالة من الملل والتشتت. كان من الممكن أيضًا استثمار الطاقة الممتازة للممثلين في تبديد المساحات الفارغة التي ملأت الفيلم، لكنه بالرغم من ذلك عملٌ يستحق الاهتمام والمشاهدة نظير الجهد الذي بذله فريق العمل، وكذلك نظير عدد من التفاصيل الجميلة التي احتواها الفيلم.

الهوامش:

اشترك في النشرة البريدية

احصل على أحدث المقالات والأخبار مباشرة في بريدك الإلكتروني
تم إضافتك ضمن النشرة البريدية, شكرًا لك!
نعتذر حدث خطأ, الرجاء المحاولة مرةً أخرى