«قناة زي: الهوس العظيم» ودور القيِّمين في تاريخ السينما

June 24, 2025

في تاريخ السينما، يتمحورُ الحديث دائمًا حول المخرجين والنجوم وشركات الإنتاج، والمحرِّرين أحيانًا، أمَّا القيِّمون فلا يُمنَحون التقدير الكافي على دورهم في الحفاظِ على هذا الإرث. لا يُقصد بالقيِّمين أولئك الذين تعيِّنُهم المتاحفُ لإقامة مهرجاناتٍ سينمائيَّةٍ فقط، بل يتجاوز الأمر ذلك ليشملَ شخصيَّاتٍ من الوسط الفني، من نقَّاد وصحفيِّين وكلُّ من يبذل جهدًا لنفض الغبار عن عملٍ سينمائيٍّ منسي.

في الفيلم الوثائقي «قناة زي: الهوس العظيم» (Channel Z : A magnificent obsession - 2004) يتقلَّد جيري هارفي مسؤول البرامج في القناة التلفزيونية هذا الدور. يسلِّطُ الوثائقي الضوء على جهوده في إعادة إحياء بعض الأفلام كما يعرجُ على حياته الشخصيَّة المضطربة والتي تتقاطع مع النهاية المأساويَّة للقناة.

أُطلقت «قناةُ زي» عام 1974م بالتوازي مع انطلاق خدمة القنوات المدفوعة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتطلَّب الاشتراك. في الوقت الذي كانت فيه مشاهدة الأفلام في المنزل في أمريكا وفي العالم رفاهيَّةً مخصَّصةً للأثرياء، كان الآخرون من غير الأثرياء رهائنَ لما يعرضه التلفاز من أفلامٍ كلاسيكيَّةٍ عائليَّة، ولم يكن أمامهم سوى انتظار الإعادات التي كانت نادرة الحدوث لبعضِ العروض في قاعات السينما. 

رغمَّ أنَّ القناة كان تغطي منطقةً محدودةً في كاليفورنيا، إلَّا أنَّها لفتت الأنظار سريعًا بعرضها لأفلامٍ خارج هوليوود من جهة، وبتفرُّدها بعرضِ أفلامٍ نادرةٍ ظُلمت وقت صدورها من جهةٍ أخرى. ومن أشهر هذه الإنجازات عرض النسخة الكاملة من فيلم «أبواب الجنة» (Heaven's Gate - 1980) من إخراج مايكل تشيمينو، الذي وضع فشله حدًّا لفترة هوليوود الجديدة التي أتاحت للمخرجين حريَّةً أكبر، لتشهدَ الساحة السينمائيَّة حينها عودةً جديدةً لهيمنة الأستوديوهات على الإنتاج السينمائي. أدى عرضه، بعد كلِّ تلك السنين، إلى إعادة تقييمه من قبل النقاد والجمهور، فلأوَّل مرَّةٍ يشاهد الجمهور، على شاشات التلفاز، نسخةَ الفيلم الكاملة كما أرادها المخرج، لا نسخة العرض السينمائي التي عدَّلها الاستديو المنتج. وهكذا بدأت صداقةٌ مميَّزةٌ بين جيري هارفي ومخرج الفيلم.

إلى جانب ذلك، قامت القناة بعرض النسخة الكاملة من فيلم «حدث ذات مرة في أمريكا» (Once Upon a Time in America - 1984) للمخرج سيرجيو ليوني، الذي تزيد مدَّته عن ثلاث ساعات، وذلك بالتوازي مع نسخة العرض السينمائي المختصرة التي حَذف منها الاستديو أجزاءَ عديدة وعدَّلها في ترتيبٍ زمنيٍّ خطيٍّ ومباشر أفسدَ غموض الفيلم، ليترك هارفي بذلك الحكم للمشاهدين لتحديد أيِّ نسخةٍ هي الأفضل.

يتخلَّل الفيلم الوثائقي لقاءات مع عدد من كبار المخرجين كبول فيرهويفن وروبرت ألتمان، الذي يبدو ممتنًّا لجيري لعرضه اثنين من أفلامه التي تعثَّرت تجاريًّا، إلى جانب بعض المخرجين الذين كانوا متابعين مخلصين للقناة مثل ألكسندر باين وجيم جارموش وكونتين تارانتينو الذي كان حريصًا على استعارة تسجيلاتٍ من القناة لعدم توفُّر بثٍّ للقناة في منطقته.

في أحد اللقاءات، تحدَّث الممثِّل جيمس وودز عن فيلم «سلفادور» (Salvador - 1986) الذي عُرِض على القناة، والذي كان من بطولته وإخراج أوليفر ستون، بعد أن واجه فشلًا في شباك التذاكر، ويُنسَب الفضل للقناة في حصوله على ترشيحٍ لجائزة الأوسكار في فئة أفضل ممثِّلٍ رئيسيٍّ عن دوره في هذا الفيلم.

لا يتوانى الفيلم الوثائقي عن ذكر الجوانب المظلمة في حياة بطله جيري هارفي، حيث تُظهر لقاءات مع زملائه وطليقته شخصيَّتَه المضطربة التي تجلَّت في سوء معاملته للمقرَّبين منه. في آخر فصول الفيلم تتعرَّض القناةُ لصعوباتٍ بالغة، انطلاقا من فشلِ الصفقة التي كانت ستوسِّعُ بثَّ القناة إلى جميع الولايات، وصولًا إلى الممارسات المجحفة التي كانت تصدرُ عن القنوات المنافسة آنذاك كمنصَّة HBO أو Showetime، والتي من صورِها إقناع بعض شركات الإنتاج برفض التعامل مع جيري هارفي، لينتهي به المطاف إلى قتل زوجته والانتحار. لا تصمدُ القناةُ كثيرًا بعد هذه الحادثة لتغلقَ أبوابها للأبد.

الفيلم الذي وثَّق قصَّة هذه القناة الممتدَّة من أيَّام مجدها إلى آخر لحظات انهيارها كان من إخراجِ ألكسندرا "زان" كاسافيتز ابنة المخرج والممثل المستقل الشهير جون كاسافيتز. لا يتميَّز الفيلم بأسلوبٍ مبتكر، بل يكتفي بالسرد المباشر المبني على اللقاءات والصور الأرشيفيَّة إلى جانبِ مقاطعٍ من مقابلةٍ إذاعيَّةٍ قديمةٍ مع بطل الفيلم جيري هارفي، ويبرز افتقاره للموسيقى التصويريَّة التي غابت تمامًا عن المشاهد. لكنَّه رغم ذلك يوثِّقُ مرحلةً مهمَّةً في تاريخ هوليوود من خلال عرض لقاءاتٍ مع مخرجين مهمِّين. ينتهي الفيلم بمونتاجٍ لسلسلةٍ من مقاطع الأفلام التي أنقذتها القناة من الفشل حين منحتها الفرصة لتُرى بعيونٍ جديدة.

الهوامش:

اشترك في النشرة البريدية

احصل على أحدث المقالات والأخبار مباشرة في بريدك الإلكتروني
تم إضافتك ضمن النشرة البريدية, شكرًا لك!
نعتذر حدث خطأ, الرجاء المحاولة مرةً أخرى