التجربة الروائية الطويلة الأولى للمخرج اللبناني سيريل عريس «نجوم الأمل والألم»، تُعد واحدةً من أكثر التجارب المنتظرة لهذا العام في مهرجان البندقية، والتي ستُعرض ضمن قسم «أيام المؤلف» (Giornate degli Autori). قبل العرض الأول للفيلم، تحدثت إلى منتج العمل جورج شقير صاحبِ «أبوت للإنتاج» (Abbout Productions)، والذي يمتلك قائمة مبهرة من الأعمال المنتَجة كأفلام جوانا حاجي توما وخليل جريج، بجانب أفلام مونيا عقل الروائية، وإيلي داغر، ووليد مؤنس، ومهدي برصاوي؛ فضلًا عن غيرها من المشاريع البارزة من خارج مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
جاي ويسبرغ:
لقد وُصف «نجوم الأمل والألم» بأنه فيلمٌ رومانسي-كوميدي، إلا أنه بطبيعة الحال فيلم رومانسي-كوميدي لبناني، هلّا أوضحت لنا الفرق بينهما؟
جورج شقير:
الفرق يكمن في الوطن، إذ إنه الجزء الأساس من حياتك. وهو، في هذه الحال، وطن في اضطراب مستمر أكثر من بقية الأوطان. ثمة العديد من الأمور في هذا الشأن: عددٌ ليس بالقليل من الأديان والطوائف، حربٌ دامت ١٧ سنةً، وجودٌ سوري، وآخر إسرائيلي، وثمة وجودٌ فلسطيني أيضًا.. كل هذا في الداخل اللبناني. لذا، فدائمًا ما يوجد مَن يشعرون بعدم الراحة، بالداخل، ويرغبون بالهجرة. جميع هذه التفاصيل تدخل في حواراتنا اليومية، وعليهِ فإذا ما قررت إنتاج عمل رومانسي-كوميدي فإنه ولا بد ستطاله هذه الأحلام المشوبة، ولا تملك مفرًّا من التفكير باحتمالية نشوب حربٍ غدًا، أو التعرض للإفلاس بعد غد. كل شيء يبدو قصيرَ الأمد. وهذا يعني أنك عندما تصوّر قصة حب على مدار ٣٠ عامًا، فإنك تصوّر بالتالي حربًا دامت ١٠ سنوات تقريبًا، و١٠ أخرى مما سُمي بـ«العصر الذهبي»، ومن ثَم الإفلاس.
المفارقةُ أننا، عند انتهاء تصوير الفيلم، كنا أمام حرب جديدة. أو بالأحرى، ثلاثة حروب لا واحدة فقط: أولى في لبنان، وثانيةٍ في سوريا، وثالثة في إيران. حروبٌ ثلاثة تدورُ بنهاية تصويرِ فيلمٍ يتحدث عن الحرب و«العصر الذهبي» والإفلاس: هو ذا لبنان.
«نجوم الأمل والألم» هو قصة عن لبنان من منظور شخصيتين رئيستين، ياسمينة (مونيا عقل) التي تريد الهجرة، ونينو (حسن عقيل) الذي يريد البقاء. هذا على المستوى الأول من الفيلم. على المستوى الثاني، يمثّل الفيلمُ قصةَ حب بين رجل حالم بإفراط وشريكته المسؤولة التي تكتشف حملها بجنين فجأةً، وعليهما واجب التعامل مع الأمر كزوجين.
ج.و:
إذن، كيف تقدم مشروعك للجمهور اللبناني؟
ج.ش:
لا أدري، أملك شهرين آخرين للتفكير في الأمر.
ج.و:
يستحيل الحديث عن لبنان، والجمهور اللبناني، دون الحديث عن الشتات.
ج.ش:
صحيح، صحيح. أعتقد أن نصف الأموال اللبنانية تأتي من الشتات. حتى في هذا الفيلم، لقد مُوّل ثلثه من خلال الأسهم التي تعود إلى رجال في الولايات المتحدة إلا أن أصولهم لبنانية ويرغبون في المشاركة بسرد قصصنا من خلال هذا النوع من الأفلام. أفلامي الأربعة الأخيرة مُولت بنسبة تتراوح بين ٢٠-٣٠٪ من قِبل لبنانيي الشتات. إنه بلد صغير! البحر في المقدمة، والقوارب تغادر كل يوم. وهذه إحدى ثيمات الفيلم، بالمناسبة.
ج.و:
يمتلك كل فيلم يُنتج في لبنان تاريخًا حافلًا من التحديات، وهذا ما يجعل للتجربة فرادةً تخصها بإزاء صعوباتها؛ ما التحديات التي واجهتكم في إنتاج هذا الفيلم، تحديدًا؟
ج.ش:
عدم تلقي أي دعم أو تمويل حكومي، أو ما يعادل المركز الوطني للإنتاج السينمائي الفرنسي (CNC in France)، لذا فجميع أفلامي تُنتج عبر إنتاجات أوروبية مشتركة، وبتمويل من صناديق عربية، تحديدًا «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» اليومَ، و«مؤسسة الدوحة للأفلام» آخرَ عشر سنوات. إلى جانب بعض التمويلات من صناديق أصغرَ في أوروبا، كصندوق سورفوند (Sørfond) في النرويج. هيكلتنا المالية مبنية على عدم وجود أي دعم حكومي اطلاقًا، كل التمويلات أهليّةٌ.
على غير المعتاد في الأفلام المستقلة، فإن ما يميّز «نجوم الأمل والألم» أنه فيلم رومانسي-كوميدي، من الشرق الأوسط. في العادة تدور قصصنا حول الهجرة، وعن البؤس، والحرب.. دومًا ما نمزح بأن الأوساط العالمية تنتظر منا هذه النوعية من الأفلام. ربما، هذا ما نفعله. عندما يكون بين يديك فيلم بفكرة عالية يكون من الأسهل عليك الحصول على تمويل مقارنةً بفيلم يحكي قصة عن جار مغرم بجارته. لقد كان هذا بحد ذاته تحديًّا، أن تنتج فيلمًا رومانسيًّا-كوميديًّا باعتبار أنه لا يستخدم هذه الصيغة، في العمق، إلا ليتحدث عن أوضاع البلد. لذا، فإن تصنيفه كرومانسية-كوميدية يُسهّل من فتح الحديث. في العام ٢٠١٩ أنتجتُ فيلمًا بعنوان «كل هذا النصر» [أحمد غصين]، وقد عُرض آنذاك هنا في البندقية من خلال «أسبوع النقاد»؛ هذا الفيلم كان يدور حول أربعة لبنانيين عالقين في الطابق الأرضي من المبنى، وأربعة إسرائيليين متواجدين في الطابق الأول. كل شيء متوتر، وما من شيء يحدث. اعتُبر هذا الفيلم «فكرة عالية»، وعليه سهُلَ تمويله. في ذات الوقت، كنت أموّل فيلم نُوار (Noir) من إخراج ميشيل كمون تحت عنوان «بيروت هولدم»، وقد استغرق مني الأمر خمس سنوات.
التحدي الأكبر بخصوص فيلم سيريل «نجوم الأمل والألم»، يكمن في تمويل قصة حب تدور في لبنان. طبعًا، ثمة نسيج سياسي واجتماعي، إلا أنه في نفس الوقت قصة حب وليس الكليشيه الذي تنتظره صناديق الاستثمار الأوروبية من الشرق الأوسط.
ج.و:
يجب عليك، كمنتج، في كل مشروع تتولى تنفيذه، إيجاد الطريقة المثلى لمساعدة المخرج في الوصول إلى رؤيته ودعمه لتحقيق ما يدور في ذهنه؛ حتى ولو لم يستطع استيعابه بنفسه. حدثني عن العمل مع سيريل عريس في «نجوم الأمل والألم».
ج.ش:
الحوار، بين المخرج والمنتج، حوار يدور حول الفاعليّة والفن؛ يمتلك الأول رؤيةً فنية، بينما الثاني يفكر في فاعلية العمل. لا يقتصر الأمر على المال وحده، أو الاعتراض على ممثل وما شابهَ، بل ثمة أيضًا نقطة مدى نجاح الفيلم مع الجمهور. هل العمل فكري أكثر مما يلزم أم تجاري بزيادة؟ إنه، في الأصل، حوار يرتبط بالسينما المستقلة، الأمر مختلف تمامًا مع السينما التجارية.
أما العمل مع سيريل، فقد كان غاية في التنظيم، وبلا تعقيدات. امتاز سيريل بفاعليته على المستوى الفكري، حيث كان كل شيء واضحًا في ذهنه، سلفًا. لم نواجه تعقيدات بخصوص الرؤية، إنما كانت تكمن في طريقة سرد قصة حب، معروفة لدى الجميع، وكيفية جعلها خاصةً بالبلد ومثيرةً للاهتمام على مدار 90 دقيقةً.
سيريل وجو سعادة، مدير التصوير، عملا بكثافة على كافة التفاصيل. اختيار العدسات والإضاءة.. وغيرها من الأمور التي فكرا فيها بناءً على النص. ولذا جاءت مواقع التصوير كثيرة إلى حدٍّ ما في الفيلم. أحيانًا، كنت أفكر: "لم كل هذه المواد؟ ولم كل هؤلاء الأشخاص في الغرفة؟"، لكن لا، لقد كان كل شيء في مكانه الصحيح بالتمام.
ج.و:
إذن، برغم كل تحديات الإنتاج في لبنان، ما زلت مستمرًّا.
ج.ش:
بالتأكيد سأستمر، بالتأكيد. هذا مجال عمل مهم، وليس من السهل مغادرته، بل التوسع فيه. قبل خمس سنوات افتتحت شركة «شورت كت فيلمز» (Shortcut Films)، وهي شركة تستثمر في الأفلام العالمية. استثمرتُ في فيلم «مقبرة الروعة» للمخرج أبيشاتبونغ ويراسيتاكول، كما في فيلم جان لوك غودار «كتاب الصورة»، وفي فيم آن ماري جاسر «واجب»، وفيلم «زاما» لـ لوكيشا مارتيل. حاليًّا، افتتحت شركة «بلير فيلمز» (Player Films) مع كريستن عيد، للعمل على المشاريع بصفتنا منتجين أساسيين لا كمستثمرين وحسب، كما في «شور كت فيلمز» سابقًا. وسيتناول المشروع الأول، مع أمجد أبو العلا، موضوعة الهجرة السودانية إلى مصر؛ إنه عمل بديع.
بجانب هذا، فأنا مهتمٌ كذلك بالعمل على مشاريعَ مع مخرجي لبنان الشتات. مثلًا، قصة لبنانية تجري أحداثها في نيويورك، أو ريو [دِي جانيرو]، أو باريس. بعض المخرجين الذين أعمل معهم هم مغتربون، إلا أنهم يأتون إلى بيروت ليرووا قصصهم. أتابع حاليا عددا من المخرجين الذين تجري أحداث قصصهم في الخارج. أعمل على هذه الأفكار، ولديّ خمسة أفلام روائية ومسلسلان تلفزيونيان خلال السنوات الثلاث المقبلة، لذا سأبقى في بيروت. لدينا فيلم أحمد غصين القادم، وفيلم جوانا حاجي توما وخليل جريج القادم بعنوان «بيبي بيروت». وأيضًا فيلم كوميدي اجتماعي من بطولة هند صبري وهيام عباس، والذي نأملُ تصويرَه العام المقبل أو الذي يليه. وكما تعلمون، يُقال بالفرنسية "être libanais est un métier" [أن تكون لبنانيًا هي مهنة بحد ذاتها]!
نُشرت هذه المقالة بدعم من مبادرة «سينماء» لتعزيز المحتوى المعرفي السينمائي.

الهوامش:
1. حُرّر هذا الحوار واختُصرَ إيضاحًا للقارئ (جاي ويسبرغ).