خلال الموسم الثالث من مسلسل (2008 - 2002 The Wire) (ترجمناه الشَّرَك)، يقوم الرائد هاورد كولفِن (باني)؛ قائدُ بوليس المنطقة الغربية لمدينة بالتيمور الأمريكية، بعملٍ متهورٍ وطائش، دون علم رؤسائه، إذ يُقنِّن تجارة المخدرات في منطقته؛ فيختار ثلاث مناطق شبه مهجورة، تكاد تكون خرائب، ويدفع إليها تجار المخدرات دفعًا، لممارسة نشاطهم غير المشروع فيها، ويجبرهم على أن يقتصر بيعهم لها في تلك المناطق لا غير، مقابل وعد "جنتلمان" شفوي غير رسمي وغير قانوني بألا يتعرّضوا للملاحقة أو الاعتقال، بل يكلّف بعضًا من رجال الشرطة من مرؤوسيه بالتواجد على حدود تلك المناطق "الآمنة"، لحمايتها، ولضمان أمن البائعين والمشترين؛ تجار المخدرات والمدمنين، ومنع أي عنفٍ قد يثورُ منها أو عليها. وقد سُميت هذه المناطق "الآمنة": هامستردام.
جاء اسم "هامستردام" في المسلسل من النطق الخاطئ لأحد تجار المخدرات، الذي أخطأ في نطق اسم مدينة أمستردام الهولندية، المشهورة بالسماح ببيع المخدرات وفق ضوابط متساهلة، وإن كان بعض النقاد قد أحبوا فكرة أن الاسم يجمع بين "أمستردام" وبين اللقب المحلي للشرطة في بالتيمور (ham= لحم الخنزير). والأذكى من هذا عندنا هو المغزى الذي اقترحه بعض المشاهدين اللّماحين النبهاء، حين ربطوا بين "هامستردام" وبين "هامستر ويل" أو "دولاب الهامستر"؛ ذلك الدولاب الذي يركض فيه فأر الهامستر باستمرار حتى الموت، وإن كان قد لوحظ في بعض الحالات، مع فئران الهامستر الأكثر ذكاءً، أنها تدرك في مرحلة ما أن الحل لإنهاء معاناتها هو التوقف التام عن الحركة، أي التوقف عن الفعل.
لماذا تعبث بالبرنامج؟1 (فروت)
ما قام به الرائد باني لا يعتبرُ فقط عملاً متمردًا، خرقَ به سلسلة القيادة، وخرج به عن أصول وتقاليد العمل البوليسي، لكنه يدخلُ أيضًا في باب "الجريمة"؛ ذلك أن من يعتبرُ نفسه استثناءً من تطبيق القانون يصبح مجرمًا، أما من يُحاول تغيير القانون فهو الثائر.
ورغم كون ما فعله الرائد باني كان بلا شك غير مشروع، إلا أنه حظي بشرعية شعبية. والفرق بين الاثنين أن "الشرعية" هي كل ما يحظى برضى الناس وقبولهم، أما "المشروعية" فهي الالتزام بالقانون ونصوصه، وعلى هذا فقد يكون الشيء شرعيًا لكنه يفتقدُ للمشروعية القانونية في نفس الوقت، كتجربةِ "هامستردام"؛ التي حظيت برضى وتشجيع وحماس أهالي بالتيمور الغربية، بينما قد يتمتع الشيء بالمشروعية القانونية لكنه يفتقد للشرعية؛ أي يفتقد لقبول الناس ورضاهم.
لكن لماذا بادر الرائد باني باختراع مسألة هامستردام هذه؟ ولماذا حظيت بكل هذا الرضا والسعادة من المواطنين؟
الكل داخل اللعبة (قول شائع في بالتيمور)
بعد نجاح رونالد ريجان في الانتخابات الرئاسية، إذ أصبح رئيسًا لأمريكا في يناير 1980، بدأت قرينته نانسي ريجان في الترويج لبرنامج قومي فيدرالي يشمل كافة الولايات الأمريكية لمحاربة المخدرات، التي كانت قد بدأت تنتشر على استحياء في الأحياء والمدن الفقيرة في مختلف الولايات، وأصحبت مسألة "مكافحة المخدرات" هي الموضة السياسية الرائجة في الثمانينيات، وبات الكل يستعطي عليها؛ بداية من الوكالات الفيدرالية كالإف بي آي، والسي آي إيه، ومختلف الوزارات الحكومية، ونواب الكونجرس، إلى الأجهزة المحلية؛ من حكام للولايات، ومُدَّعين عامِّين، وأجهزة الشرطة، وأعضاء المجالس المحلية المنتخبين، وغيرهم الكثير.
بعد ذلك بعقدين أو يكاد، ستأفَل موضة "مكافحة المخدرات"، وسيبدأُ النظام في الاستعطاء على موضة جديدة هي "مكافحة الإرهاب"، وهو ما يُصرَّح به بوضوح في عددٍ من حلقات المسلسل، من قبل عدة مسؤولين في مكتب التحقيقات الفيدرالي (الإف بي آي)، والمسؤولين عن مكافحة الجريمة المنظمة بوزارة العدل الأمريكية.
كلما كبرت الكذبة كلما صدقوها (بانك)
وبرغم هذا الاهتمام القومي العام والشامل آنذاك بمسألة مكافحة المخدرات، راحت المخدرات تتفشى وتستشري في المجتمع الأمريكي بوتيرة متسارعة تكادُ تُقاربُ المتتالية الهندسية، ولعل السبب في هذا أن الظروف الواقعية على الأرض كانت تشجِّع على تعاطي المخدرات والاتجار بها، فالسياسات النيوليبرالية التي انتهجها رونالد ريجان منذ بداية حُكمه؛ من إعطاء الحرية المطلقة لرأس المال، والرضوخ لرغبات رجال المال في وول ستريت، وإطلاق يد الرأسمالية المالية في أمريكا بكاملها، وتوسيع عمليات الخصخصة وبيع المصانع والمنشآت العامة، ومنح المزيد والمزيد من الإعفاءات والامتيازات للشركات الاستثمارية في البورصة وصناديق التحوط، ورفع القيود الحكومية عن الاستثمار في السلاح والبترول، وتقليص الاعتمادات الحكومية على التأمين الصحي والتعليم والثقافة وإعانات البطالة، والتضييق على النقابات العمالية، وانتهاج سياسات مالية واقتصادية فاقمت من البطالة، وطحنت الطبقات الفقيرة، واستنزفت الموارد الطبيعية- أدى كل هذا إلى زيادة رأس المال لدى الأثرياء، وتفاقمت معاناة قطاعات عريضة من الشعب الأمريكي.
إنه البيزنس (اليوناني)
في تلك المرحلة، زاد الثري ثراءً، وازداد الفقير فقرًا، ومع التدهور المستمر في المدارس ومؤسسات التعليم العامة، وانحطاط خدمات التأمين الصحي، والفجوة العميقة بين عشرة بالمئة ممن يملكون ثمانين بالمئة من الناتج القومي، والتسعين بالمائة الذين يملكون باقي العشرين بالمئة، سُدت أبواب الأمل في وجه قطاعاتٍ عريضةٍ من الشعب، وراحت "قيم الأسرة" التي ميّزت المجتمع الأمريكي في التآكل على نحو سريع.
وظهرت في تلك الفترة مخدرات "رخيصة" أغرقت السوق الأمريكية، قادمة عبر الحدود من بعض دول أمريكا الجنوبية، وأقبل عليها عدد كبير من اليائسين المحبطين المتسربين من التعليم، ثم راح عددهم يتزايد، حتى شمل كل شرائح المجتمع الأمريكي أو يكاد؛ مخدرات غيبتهم عن الوعي، وعن التفكير في واقعهم البائس، وعن اليأس المنتشر حولهم وفيهم.
حين تقابلُ الظروفُ الهيكلِيّة البنيوِيّة المُهيئة بيئةً مُشجعةً لها على الأرض لازدهار تجارة وتعاطي المخدرات، أفتظن أن خطبة هنا أو هناك، من نانسي ريجان، أو من غيرها من المسؤولين، عن أضرار تعاطي المخدرات، قادرة على الوقوف في وجه هذا الطوفان؟
يتسبب النظام في المخدرات، ثم يضطهد المدمنين، وبذلك يكون المدمنُ ضحيةً مرتين.
ولك أن تتوقع، وسيكون توقعك صحيحًا، أن موضة "مكافحة المخدرات" التي سادت في الخطاب الإعلامي الأمريكي خلال الثمانينيات والتسعينيات، وحشد الموارد من قبل الوكالات الحكومية لوقف انتشارها، قد باءت كلها بالفشل، كما ثبت لاحقًا، وأن انتشار المخدرات قد ازداد واستفحل، وصاحب ذلك أيضًا استفحال في الجريمة المصاحبة له، سواء من قبل عصابات الاتجار بالمخدرات، أو من قبل المتعاطين أنفسهم.
كانوا يصنعون فولاذًا هنا! (سبيروس)
لعل مدينة بالتيمور هي الأكثر نموذجية وسط هذه الصورة؛ كانت تشتهر بصناعات الحديد والصلب، وبميناء رئيسيّ كان يستقبل نسبة كبيرة من الواردات لأمريكا، ويقوم بشحن المنتجات الأمريكية من الفولاذ والسيارات وغيرها إلى مختلف أنحاء العالم، ونتيجة للسياسات الاقتصادية لإدارة ريجان، ماتت الصناعة في بالتيمور، وصار ميناؤها خرابًا أو يكاد، وبات عمّال المصانع وعمال الميناء عاطلين عن العمل، ورافقَ هذا تقليصُ الاعتمادات الحكومية للتعليم والمدارس العامة، فانهار التعليم في المدينة، وحدث الأمر نفسه في مؤسسات الرعاية الصحية العامة.
واستغلت عصابات التهريب الدولية ميناء بالتيمور لإدخال المخدرات من خلاله إلى السوق الأمريكية، وإخراج البضائع المهربة منه أيضًا، وربما السلاح الأمريكي كذلك إلى السوق العالمي، واضطر العاطلون عن العمل إما للانخراط في تجارة المخدرات، أو تعاطيها للغياب عن واقعهم البائس، واستغلت عصابات المخدرات الأطفال المتسربين من التعليم للعمل كموزعي مخدرات "ديلرز"؛ للاستفادة من القوانين الأمريكية المتساهلة مع الأحداث.
في تلك الفترة، وحتى وقتنا الحاضر، لم يكن هناك من سبيل لأهالي بالتيمور سوى الخروج من المدينة والهجرة منها، أو الموت، أو الاضطرار للعمل في تجارة المخدرات وأنشطة الفساد المصاحبة لها؛ والذي يعني أيضًا الموت البطيء.
لدينا هنا شيء، هو جزءٌ من الشيء الأكبر (زنوبيا)
في ظلّ هذه الصورة العامة جاءت مبادرة الرائد باني واختراع مسألة هامستردام هذه، وكان منطقُ باني في هذا أن مكافحة المخدرات في ظل هذه الظروف الهيكلية هو ضحكٌ على الذقون، وأن استمرار حشد موارد الشرطة -المحدودة أصلاً بعد تقليص اعتماداتها المالية سنة وراء سنة- لمطاردة أطفال يقفون على النواصي وفي الزوايا يبيعون المخدرات، ثم يُطلق سراحهم في نفس اليوم بسبب قوانين الأحداث المتساهلة، هو أمرٌ عبثي.
وكأن لسان حال الرائد باني هو لسان سْلِم تشارلز (تشارلز النحيل)؛ عضو عصابة فون باركسدِل، وأحد عقلاء المنظمة الإجرامية، الذي قال في الحلقة الـ 12 من الموسم الثالث: "نحن نقاتل في سبيل كذبة!".
وقد أدرك الرائد باني أيضًا، وهو الأهم، أن استمرار هذا العبث هو أمر يضرّ بالمجتمع المحلي في المدينة أولاً وقبل كل شيء؛ لأنه يستنزف الشرطة ومواردها، فلا تستطيع القيام بواجبها الأساسي، الذي هو نشر الإحساس بالأمان لدى المواطنين، والقيام بالعمل البوليسي المعتاد في مكافحة الجرائم الأخرى، غير المخدرات.
الدنيا في وادٍ، والناس في وادٍ آخر (بووت)
هكذا يقرّر الرائدُ باني الكفّ عن رجم الشيطان الأصغر، الذي هو رجمٌ مظهريٌّ دعائي، وتوفير مجهودات الشرطة للقيام بالعمل البوليسي الحقيقي وتوفير الشعور بالأمان للمجتمع؛ والتوقف عن الانشغال بالمعارك التي يعرف باقي زملائه من قادة الشرطة بالمدينة أنها معارك وهمية تستنفِد قوى رجال الشرطة لدرجة تصاعد رائحة الدخان منهم.
يقرر باني أن يكوي الأورام الضارة للنظام بالاستسلام التام للإجرام، والانسحاب من المِضمار، وإفساح الطريق لعصابات المخدرات، حتى تتفرغ الشرطة لعملها الحقيقي في حماية الناس، وهي محاولة لتقليل الخسائر والحد منها، بعد إدراك أن المعركة خاسرة حتمًا.
لذلك حظيت تجربة هامستردام بتأييد مواطني بالتيمور الغربية؛ فلأول مرة منذ عقود يشعرون بالأمان في بيوتهم، وفي شوارعهم، بل وبدأوا معاودة الجلوس في شرفات منازلهم، والوقوف على سلالم بناياتهم بحرية وأمان، بعد أن كانت مُحتلة من قبل عصابات المخدرات المُسلّحين.
وشرع أفراد الشرطة في القيام بدورياتهم المعتادة في الأحياء، وتفرغوا لحل القضايا المعلقة، التي لم يجدوا لها وقتًا من قبل، حين كانوا مستنزَفين في مطاردة الأطفال الديلرز.
حتى إن معدلات الجريمة قد انخفضت لنسبٍ غير مسبوقة في بالتيمور الغربية، بعد تجربة هامستردام، بسبب تفرّغ الشرطة لعملها البوليسي من ناحية، ولاقتصَار تجّار المخدرات في هامستردام على نشاط البيع للزبائن، بعد نزع طابع العنف المُسلّح عن نشاطهم، وكأنهم في سوق، كأي سوق، والمخدرات سلعة مثلها مثل أي سلعة.
جرّدت تجربة هامستردام النظام من قناعه باستخدام نفس سلاحه؛ أي السوق الحرة المفتوحة، والسوق الحرة هي روح النظام الرأسمالي، لكنها باتت تتم في هامستردام عيانًا بيانًا في وضح النهار، لا في ظلمة الليل. إن نجاح تجربة هامستردام، إن اعتبرناه نجاحًا، لا يعني هزيمة الجريمة المنظمة، بل انتصارها.
ماتوا حيث لا أحد يهتم لموتهم (فلتشر)
إن آليات عمل النظام الرأسمالي في أمريكا، وقواعد لعبة السوق فيه، هي التي تؤدي إلى ازدهار تجارة المخدرات، وتنامي عصاباته ومنظماته الإجرامية –كما قدمنا-، لكن المشكلة بالنسبة للنظام هي في الإقرار بهذه الحقيقة.
يشعر النظام بالخزي من عقلانية الرائد باني وتجربته، في حين لا يشعر بنفس العار طالما كانت المشكلة في الخفاء، ولذلك فإن قوة السخرية في تجربة هامستردام تعادل قوة عقلانيتها، وفوق هذا فهي تُظهر رأسمالية الغابة الأمريكية في أكثر صورها سذاجة وضعفًا، بعد نزع قناع الجديَّة عنها، كالساحرة الشريرة التي ينكشف وجهها القبيح بعد زوال مفعول التعويذة.
وإن كنا قد قدمنا في وصف ما قام به الرائد باني بأنه عمل طائش متهور؛ فلأن الإنسان يستحيل عليه حل المشاكل الهيكلية بمفرده، كما يستحيل عليه محاربة الريح أو المطر، أو مقاتلة القدر، فالأمر يشبه محاولة بناء بيت على أراضي المستنقعات أو الرمال المتحركة، ومهما كانت المحاولات لجعل البيت عظيمًا متينًا جميلَ البناء، سينهار عاجلاً لا آجلاً.
الضمير مُكلِّف (بوتشي)
وهذا ما يحدث بالفعل، حيث يُقال الرائدُ باني من منصبه في الشرطة ويُحال إلى التقاعد، فور ظهور تجربة هامستردام للعلن وتسقط ورقة التوت عن النظام، ولعل النظام قد استشعر أيضًا رائحة تمرد قادم، إذ من المحتمل أن يحذو بعض قادة الشرطة من النزهاء حذو الرائد باني، ويتصرفون بمبادرات شخصية خارج قواعد اللعبة، وتغيير قواعد اللعبة يعني "الثورة".
إن النظام الرأسمالي بمثابة قاطع طريق على مُصلحيه، ويتعامل معهم بوصفهم عائقاً، لا باعتبارهم فرصة ينبغي اغتنامها. إن رأسمالية الغابة مُحصَّنة ضد الإصلاح.
ماذا يفعل الرائد باني بعد إحالته للتقاعد ووضعه في منبذ؟ إن من يواجهون رأسمالية الغابة هم من يدركون مواطن الخلل فيها، وحين يواجه المرء النظام بنفسه يكتسب المعرفة بأبعاده وقدراته، مثل المشنوق الذي يكون أكثرنا إدراكاً لمعنى الحبل وقدرته، وككل من واجهوا "النظام" في المسلسل، وأدركوا بالتالي حقيقته، يحاول الرائد باني بعد إقالته من الشرطة العمل مع الأطفال وتلاميذ المدارس المتسربين من التعليم، وهو خير من يعرف أنهم ذخيرة المنظمات الإجرامية وتجار المخدرات، ويخصص كامل وقته لهذا، وقد أصبح متفرغاً لنشاطه الخاص ومالكاً لوقته، لكن "النظام" يقطع عنه الماء والهواء، والتمويل، ويُجهض تجربته ومحاولته لإنقاذ تلاميذ المدارس المنخرطين فعلاً في عصابات المخدرات بالمدينة.
تنتظر ما لن يأتي أبداً (لِستر)
يستسلم الرائد باني في النهاية، مثل مدينة مُحاصرة نفدت منها المؤن والذخيرة ولم يبق لديها أي أمل في انتظار الإنقاذ، يستسلم بمنتهى الجدية، وبدون شروط، لكن إلحاح الرغبة في الإصلاح لديه تجعله يتحول من إنقاذ "العام" إلى إنقاذ "الخاص"؛ فيتبنى مراهقاً - هو ابن أحد القادة البارزين في عصابة إفون باركسدِل الإجرامية- ويمنحه كامل وقته واهتمامه.
وقراره هذا هو نوع من التقييم الجازم بالعجز والفشل في إصلاح المجال العام، والانسحاب إلى المجال الخاص، وتكريس الجهد لإصلاح ولو فرد واحد، وإنقاذه من مصير محتوم. مثله في ذلك مثل كلاريس في «صمت الحملان» (The Silence of the lambs - 1991) كانت تتمنى في كوابيسها لو استطاعت إنقاذ ولو حَمَل واحد من المذبحة الجماعية التي تساق إليها الحملان.
*****
الشَّرَك The Wire
هو مسلسل أمريكي من إنتاج شبكة HBO (هوم بوكس أوفيس)؛ إحدى الأذرع الإعلامية لشركة وارنر براذرس. عُرض في الفترة من (2002-2008).
تدور أحداثه حول فئة خاصة من شرطة بالتيمور تحاول الإيقاع بعصابات المخدرات بالمدينة، مع تركيز كل موسم على قضية بعينها؛ كأحد الأسباب الهيكلية لاستمرار ونمو الجريمة المنظمة.
يركز الموسم الأول على تأسيس مفرزة الشرطة وأفرادها المتنوعين، وصراعهم اليومي في سبيل جمع المعلومات عن المنظمات الإجرامية، والتنصت على اتصالاتهم، وسط شح الموارد التي توفرها لهم الإدارة.
والموسم الثاني يلقي الضوء على الأوضاع الصعبة التي يعيشها عمال ميناء بالتيمور، والتي تدفع رئيس نقابتهم إلى التعاون مع عصابة عالمية لتسهيل إدخال المخدرات عبر الميناء.
الموسم الثالث يتناول قضية الفساد الحكومي، وتغليب المصالح الشخصية في المؤسسات الحكومية والمنتخبة، مما يساهم في تفشي الجريمة.
ويركز الموسم الرابع على انهيار التعليم وتدهور المدارس الحكومية، مما يدفع بالأطفال والمراهقين إلى أحضان عصابات المخدرات.
أما الموسم الخامس، فـ مركز الثقل فيه هو الفساد في الإعلام والصحافة؛ كيف يساهم بعض الصحفيين معدومي الضمير في الترويج للأكاذيب، والمعاناة التي تتعرض لها الصحافة الورقية (ممثلة في صحيفة بالتيمور صن) في ظل نظام السوق وأولوية مبدأ الربح.
يعد «الشَرَك» من أهم المسلسلات في تاريخ الدراما العالمية، وحظي باهتمام من أقلام كبار المفكرين والفلاسفة المعاصرين. خصص له سلافوي جيجيك، مثلاً، فصلاً كاملاً في كتابه (سنة الأحلام الخطيرة، 2012). هو الآن مادة دراسية في معظم أقسام الإعلام، والسينما، والاجتماع، في جامعات العالم الكبرى؛ كـ: جونز هوبكنز، وهارفَرد، وبراون، وتكساس، ويورك، ولندن، والسوربون.



