تسعى المهرجانات السينمائيَّة لأن تكون فضاءً حرًّا لعرضِ الأفلام، بكلِّ أنواعها، ومناقشتها وتقييمها من طرف الخبراء والسينمائيِّين، بعيدًا عن منطق الترويج التجاريِّ واحتكار الشركات الكبرى، وبالتالي مدِّ جسور الحوار الإنساني بين مختلف الثقافات، وتحفيز صنَّاع السينما على المنافسة وفق معادلةٍ تجمع بين الإبداع والجوائز والانتشار الجماهيري. ما يجعلُ الخيبات كبيرةً بقدرِ مستوى التطلُّعات!
فلاش عربي بين الأمس واليوم
في خطابه كرئيسٍ للجنة تحكيم مهرجان «كان» السينمائي الدولي دورة 1954، قال الكاتب والمخرج الفرنسي جان كوكتو: «إنَّ المهرجان أرضٌ محايدة، لا وجود للسياسةِ فيها. هو بمثابةِ أنموذج مصغَّر لما يمكن أن يكون عليه العالم إذا ما تواصل البشرُ بشكلٍ مباشرٍ وتحدَّثوا لغةً واحدة». نحن هنا نتحدَّث عن السنة نفسِها التي ستندلعُ فيها حرب التحرير الجزائريَّة (1954-1962) ضدَّ المستعمر الفرنسي الذي حشد جيوشَه لمواجهة الجزائريين الثائرين من أجلِ استعادةِ حرِّيتهم بعد أزيد من قرنٍ وربع من الاحتلال والقتل والإبادة الجماعيَّة.
وفي التفاتةٍ رمزيَّةٍ لمنظِّمي الدورة الـ 78 من مهرجان كان الدولي (من 13 إلى 24 مايو 2025)، سيُعرض فيلم «وقائع سنين الجمر» (بنسخة مرمّمة بجودة 4K) للمخرج الجزائري محمد لخضر حمينة، في برنامج «كلاسيكيات كان» (Cannes Classics)، تكريمًا للمخرج بعد 50 عامًا من تتويجهِ بجائزة السعفة الذهبية سنة 1975 - الجائزة الوحيدة للعرب ولأفريقيا حتى تاريخه - ويقول حمينة إنَّه كان ينقصه صوتٌ واحدٌ لينال السعفة الذهبيَّة عن فيلمه «ريح الأوراس» في دورة 1967 - حازَ جائزة العمل الأول - لا سيَّما بعد اعتراضات قُدامى المحاربين الفرنسيِّين آنذاك، إذ لم يكن قد مرَّ على استقلال الجزائر سوى خمسِ سنوات. وفي اختيارٍ رسميٍّ هو الأول من نوعه في تاريخ السينما العراقيَّة ضمن فعاليات المهرجان، سيُعرض في البرنامج ذاتِه فيلم «سعيد أفندي» للمخرج العراقي الراحل كاميران حسني، إنتاج 1956، (يُستعاد بنسخة مرمَّمة أيضًا بجودة 4K).
يُنافس في المسابقة الرسميَّة المخرج السويدي المصري طارق صالح بفيلم «نسور الجمهوريَّة» (The Republic’s Eagles - 2025) والذي يعود فيه الممثل عمرو واكد بعد غياب سنتين عن «كان»؛ فيلم «البنت الصغرى» (The Little Sister - 2025) للممثلة والمخرجة الفرنسية من أصل تونسي حفصيَّة حرزي هو الآخر سيُنافس على السعفة الذهبية لهذا العام. ومن بين العروض التي تُحقّق السبق أيضًا في هذه الدورة الفيلم الروائي «سماءٌ بلا أرض» (Promis le ciel - 2025) للمخرجة التونسيَّة أريج السحيري المبرمَج في افتتاحِ مسابقة «نظرة ما» (Un Certain Regard)، وهي المرَّة الأولى التي يُعرض فيها فيلمٌ تونسيٌّ في افتتاح المسابقة التي تحتفي بالأسماء السينمائيَّة الواعدة المتميِّزة بطرحها الفنِّي الجريء لمختلف القضايا الإنسانيَّة. كما ينافس إلى جانب السحيري، المصري مراد مصطفى الذي عادَ بفيلم «عائشة لا تستطيع الطيران» (Aisha Can't Fly Away - 2025)، والشقيقان عرب وترزان ناصر من فلسطين بفيلم «كان يا مكان في غزة» (Once Upon a Time in Gaza - 2025). كما ستعرف جادة لا كروازيت عودة «الجناح المصري» إلى القرية العالميَّة من خلال سلسلة لقاءاتٍ مع المهنيين تعكسُ تطلُّعات السينما المصريَّة للعودة إلى الواجهة بعد تراجُعِها في السنوات الأخيرة.
لعبة بلا قواعد في حقل ألغام
تقاطَعَ مهرجان «كان» مع الحرب والتوتُّرات منذ بدايته المتعثِّرة سنة 1939. فبعد ثلاثة أيامٍ من انطلاقِه اندلعت الحرب العالميَّة الثانية، ليُعلَّق ويؤجَّل إلى غاية نسخته التأسيسيَّة سنة 1946. لكنه عاد وتوقّف بين عامي 1948 و1950 لضُعف الميزانيَّة. كما أُلغي بعدَ يومَيهِ الأوَّلين في 1968 بسبب أحداث مايو الشهيرة ومقاطعة عددٍ من المخرجين المُلتزمين. وليُمسي اليوم بعد عقودٍ طويلة منصَّةً عالميَّةً للتفرُّد السينمائي، لاحتفائه بالأعمال التي تتميَّز بالجرأة والأصالة والقيمة الفنِّية. إلَّا أنَّ المهرجان العريق، الذي تحتضنه مدينة «كان» الساحليَّة جنوب شرق فرنسا في شهر مايو من كلِّ عام، ليس بمعزلٍ عن الانتقادات بوصفهِ حدثًا فنِّيًّا لا يخلو من الجدل والتوتُّر جرَّاء تضارب الإبداع الفني مع المصالح الاقتصاديَّة، والالتزامات السياسيَّة والمطالب الاجتماعيَّة، في مقابلِ سعيهِ لأن يكونَ أرضًا محايدةً تنأى بنفسها عن ازدواجية المعايير والسياسة والتفرقة بين الفنَّانين، أو كما قال كوكتو.
لا شكَّ أن مهرجان «كان» يمثِّل الحدث العالمي السينمائيَّ الأبرز والأكثر أهميَّةً ومتابعةً، لأنَّه - كما يقدِّمه القائمون على تنظيمهِ - لا يَعرض سوى الأفلام التي تستحق المنافسة، بعد مشاهدتها ومراجعتها من لجنة تحكيمٍ تتكوَّن من خبراء ومخرجين وممثِّلين فرنسيِّين وأجانب لتُنافِس على السعفة الذهبية، عدا عن الأفلام التي يسعى أصحابُها للظفر بإحدى جوائز مسابقات المهرجان المرافقة. لكن من بين ما يُؤخذ على المهرجان في الدورات الأخيرة هو تركيزه على أفلام الميزانيَّات الضخمة التي تعمل من خلالها شركاتُ الإنتاج الكبرى على استقطاب نجوم السينما. على سبيل المثال فيلم «توب غان: مافريك» (Top Gun: Maverick - 2022) إخراج جوزيف كوزينسكي، وبطولة توم كروز الذي مُنح سنتها جائزة السعفة الذهبية الفخرية، ويعود هذا العام بالعرض الأول العالمي لآخر أجزاء «المهمَّة المستحيلة: الحساب النهائي» (Mission: Impossible - The Final Reckoning - 2025) من إخراج كريستوفر ماكويري. يأتي ذلك في الغالبِ على حساب السينما المستقلَّة وسينما المؤلِّف والأفلام التجريبيَّة التي تعكس اشتغالًا فنِّيًّا وجماليًّا عميقيْن، لكنها غالبًا ما تجدُ صعوبةً في دخول المسابقة الرسميَّة أو تتعرَّض للتهميش. يضاف إليها الأفلام التي حُرِمَت من التنافس لأنَّها لم تُعرض - أولًا - في صالات السينما الفرنسيَّة، وحدثَ أن عارضت شركاتُ التوزيع في فرنسا بالذات عرضَ أفلام منصَّة نتفليكس التي كانت تشارك في المسابقة قبل أن يتوقف المهرجان عن استضافتها. وليس فيلم «روما» (Roma - 2018)، للمخرج المكسيكي ألفونسو كوارون والحائز على ثلاث جوائز أوسكار وجوائز سينمائية عالمية أخرى، إلّا مثالًا على موقفٍ شبه رافضٍ لمواكبة صناعة السينما الحديثة، مع بعض التحايل أحيانًا، كما حدث العام الماضي مع فيلم «الفصل الثاني» (The Second Act - 2024) للفرنسي كوينتِن دوبيو، وكـأنَّها لعبةُ كرٍّ وفرٍّ بلا قواعد.
اعتبَرَ المخرج البريطاني جوناثان غلايزر الحائز على الجائزة الكبرى عن فيلمه «منطقة الاهتمام» (The Zone of Interest - 2023) في الدورة الـ 76 لمهرجان «كان»، سؤالَ أحد الصحفيين عن شعورهِ بعدمِ الفوز بالسعفة الذهبية سؤالًا لئيمًا… لكن المتتبِّعين اعتبروا فيلم «تشريح سقوط» (Anatomy of a Fall - 2023) المتوَّج ليس أفضل الأفلام المعروضة في تلك الدورة. بدا الأمر كمن يمشي معصوبَ العينين في حقل ألغام، وقد انقسمت الآراء بعدها بسنةٍ حول تتويج فيلم «أنورا» (Anora - 2024)، للمخرج الأميركي شون بيكر بالسعفة الذهبية، بين مَن اعتبر أنَّها «سعفةٌ ذهبيَّةٌ لا يُمكن إنكارها» في مسابقةٍ مخيِّبة للآمال، وبين من أقرَّ بأنَّه "فوزٌ مفاجئٌ" نظرًا لعدم التسامح مع الأفلام الكوميديَّة في المهرجانات السينمائيَّة الكبرى، وبين من رآه فيلمًا مليئًا بالأمل بعيدًا عن بهرجة الأفلام "الكبيرة". هذا ما عكسَه تصريح بيكر الذي قال: «علينا أن نُناضل من أجل صناعةِ أفلامٍ تُعرض في صالات السينما، لنشارك المشاهدَ العاديَّ الحزن والخوف والضحك». لكنَّ الانقسام كان جلِّيًّا بين النقاد والجمهور، فلم يكن هناك فيلم مُفضَّل واضح عليه الإجماع لنيل الجائزة، وهناك من ذهب إلى حدِّ القول إنَّها «قائمةُ جوائز تفتقر إلى الجذريَّة».
عناقٌ وقبلةٌ وثورةٌ وأشياء أخرى
لعلَّ هذا التأرجُح في مستوى الأفلام في الدورات الأخيرة يضع مهرجان «كان» أمام تحدِّياتٍ مستقبليَّةٍ كبيرة، رغم اهتمامِه وسعيهِ لتقديمِ قائمةٍ جيِّدةٍ من الأفلام الفائزة، تعكسُ على وجه الخصوص تثمينه للصناعة السينماتوغرافيَّة العالميَّة مع دعمِ المبادرات الهامَّة في مجال التنوُّع والشموليَّة والمساواة بين الجنسين، والمكانة البارزة التي يجب أن تحتلَّها النساء في عالم السينما والمجتمع.
ترأسُ لجنة تحكيم مهرجان «كان» في دورته الجديدة الممثِّلة الفرنسيَّة الملتزمة جولييت بينوش، التي وصفتها رئيسة المهرجان الألمانيَّة إيريس كنوبلوخ بأنَّها «امرأةٌ فرنسيَّةٌ نادرةٌ حصلت على جائزة الأوسكار، وانتقلت من خلالِ التصوير السينمائي عبر أنحاء العالم، من بولندا إلى إيران، ومن اليابان إلى الولايات المتحدة، لأنَّها تُجسِّد إعادة اختراعٍ دائمة». وتضمُّ اللجنة المكوَّنة من تسعة أعضاء خمسَ نساء، منهنَّ الحائزة على جائزة الأوسكار الأميركية هالي بيري، والكاتبة الفرنسية المغربيَّة ليلى سليماني. كما تدخل سبعُ مخرجاتٍ المسابقة الرسميَّة التي تضمُّ 22 فيلمًا، من بينهن حفصيَّة حرزي كما ذُكر سابقًا، والألمانية ماشا شيلينسكي بفيلم «صوت السقوط» (Sound of Falling - 2025)، مع تسجيل عودة كلٍّ من اليابانية تشي هاياكاوا بفيلم «رينوار» (Renoir - 2025)، والفرنسية جوليا دوكورنو بفيلم «ألفا» (Alpha - 2025) بعد أربعِ سنوات من تتويجها بالسعفة الذهبيَّة عن «تيتان» (Titane - 2021)، الفيلم الذي أحدث سجالًا في الصحافة ولدى الجمهور لاحتوائه على جرعةٍ كبيرةٍ من القسوة والعنف والتعقيد الذي لا يترك أحدًا غير مبالٍ به.
مع ذلك تبقى - حسبَ الجمعيَّات النسويَّة - قضيَّة عدمِ التكافؤ بين الجنسين مطروحةً للنقاش، رغم الاختيار الذي اعتبَرهُ الكثيرون موفَّقًا للملصق المزدوَج للمهرجان المستوحى من مشهد العناق الأيقوني لبطَلي فيلم «رجل وامرأة» (A Man and a Woman - 1966) للمخرج الفرنسي كلود ليلوش الحائز على عدَّة جوائز منذ إطلاقه قبل ستِّين عامًا، ولأوَّل مرّة يتمُّ إصدار بوستر مزدوَج تظهر فيه أنوك إيميه في ملصق، بينما يظهر على الملصق الآخر جان لوي ترينتينيان، مع ألوانٍ هادئةٍ وموحيةٍ بجماليَّات السينما العريقة.
كما أن هذه الاستعادة تذكِّرنا بمقاطعةِ كلود ليلوش وجان لوك غودار ومجموعة مخرجي «الموجة الجديدة» (La Nouvelle Vague) في فرنسا، المتضامنين مع المتظاهرين، للمهرجان في مايو 1968 والمطالبة بتوقيفِه. لا أحد ينسى صرخة المتمرِّد غودار في وجه المنظِّمين: «أنتم حمقى!»، لعدمِ تفاعلهم مع احتجاجات الطلَّاب والعمَّال في الشوارع، قبل أن يُلغى المهرجان في يومه الثاني، رغم مشاركة اثنينِ من أفلام المخرجِين الثائرين في المسابقة الرسمية. ومِثْل ليلوش هذا العام، كرَّم «كان» في دورته الـ 71 غودار بملصقٍ رسميٍّ احتفاءً بفيلمهِ «بييرو المجنون» (Pierrot le Fou - 1965) الذي حقَّق نجاحًا عالميًّا. والبوستر يحملُ صورة قبلة النجمين آنا كارينا وجان بول بلموندو.
عالم كل المخاطر... والمهازل!
كيف يُقرأ صدى ما قاله المخرج البريطاني كين لوتش في حفل تتويجه بالسعفة الذهبيَّة سنة 2016: «إنَّ العالم الذي نعيش فيه هو في خانة الخطر»، العالم الذي بات اليوم في قلب كل المخاطر والمهازل أيضًا؟ هل نقلبُ مقولة جان كوكتو على رأسها؟ بينما لا حصر للأفلام والرؤى التي تناهض النيوليبرالية والحروب وقمع الحريَّات واضطهاد الشعوب وتدمير البيئة؟ لماذا تبدو ثقافة الاختلاف والتنوع هشَّة؟ وماذا عن الانتقائيَّة في تسليط الضوء على القضايا الحرجة والملحَّة؟
لوتش الذي لامسَ الخطر المهدِّد للوجود الإنساني في خطابِه منذ أكثر من عشر سنوات، لم تكُن سينماه محايدة، ولم يبالِ بالثمن الذي دفعَه جرّاء انحيازه للطبقة العاملة ومناصرته لقضايا التحرُّر في العالم، بما فيها القضيَّة الفلسطينية، فهو كما يقول يريدُ من وراء صنع الأفلام «أن يُغضِبَ الناس». ما يحيلنا حتمًا إلى أهميَّة استقلاليَّة التصوُّر السينمائي بعيدًا عن تأثير هوليوود والأمركة والامتثال لجشع الربح والانتشار الجماهيري. ومع تسجيل الهيمنة الغربيَّة شبه المطلقة على لجان التحكيم، يُطرح أيضًا سؤال التنوُّع العالمي. كما أنَّ الشراكات مع العلامات التجاريَّة الفاخرة وما عليها من علامات استفهام، في ظل انتشار ثقافة المقاطعة، يفتح باب النقد واسعًا عن بهرجة عروض الأزياء على السجادة الحمراء. السجادة التي بدورها لا تخلو من رسائل احتجاجٍ في بعض الأحيان.
كشخصٍ يجلس في المقعد الخلفي ويعطس
يمكنُ للسينما أن تكونَ أداة احتجاجٍ ووسيلةً للتعبير عن الغضب والرفض. فالسياسة إذن، كانت دائمًا حاضرةً وستظل حاضرةً في ما يُعرض ويناقَش في تلك "الأرض المحايدة" التي تدَّعي أنَّها على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع. لكن سرعان ما تُكشف الفوارق في أوَّل اختبارٍ أخلاقي. يكفي كمثال آنيٍّ الارتباك الذي حدث في صياغة بيان «الصدمة والفزع» عقِب استشهاد المصوِّرة الصحافيَّة الفلسطينيَّة فاطمة حسونة بطلة وثائقي «ضع روحك على كفِّك وامشِ» للإيرانية زبيدة فارسي، عقب إعلان المهرجان اختيار الفيلم ضمن برنامج جمعيَّة السينما المستقلَّة للتوزيع (ACID) بيومٍ واحد! جاء البيان مضطربًا متجنِّبًا عدم التصريح بما ترتكبه إسرائيل من مجازرَ وتفجيراتٍ في قطاع غزَّة كانت حسونة ضحيَّة إحداها، وهي التي كتبت قبلها بأيام: «إذا متُّ، أريد موتًا صاخبًا [...] أريد موتًا يسمعه العالم، وأثرًا يبقى عبر الزمن، وصورة خالدة لا يُمحى أثرها...»
في مقابل ذلك تمَّ الكشف عن برنامج «يوم أوكرانيا» تذكيرًا بما سُمِّيَ باِلتزام مهرجان «كان» السينمائي وقدرته على سرد تحدِّيات العالم والمستقبل من خلال السينما. وفي ظلِّ استمرار الحرب فإنَّ المهرجان سيرفضُ الترحيب بالممثِّلين الروس الرسميِّين أو الهيئات الحكوميَّة أو الصحفيِّين الذين يمثِّلون الخطَّ الرسميَّ لروسيا. ولكن لا أحد من منظِّمي «كان» سيتجرأ بالحديث مباشرةً وبهذا الوضوح عن حرب إسرائيل على الفلسطينيِّين، ولعلَّ المتحدث سيبدو حينها كشخصٍ يجلسُ في المقعد الخلفي ويعطس باستمرار، ليحاولَ الجميع إخراجَه من القاعة.
قد تبقى أسئلة المحتوى والشرعيَّة ماثلةً ومتجدِّدةً خلال هذه الدورة وفي دورات مهرجان «كان» القادمة، وسيظلُّ الجدل قائمًا حول أهميَّة إعادة النظر في التوجهات ومعايير التتويج ومدى اتساع المجال لتمثيلِ الرؤى السينمائيَّة العالمية على اختلافها، ما دامَ التطلُّع هو خلقُ فضاء حرٍّ للتواصل بلغةٍ واحدة، ألا وهي... السينما.

نُشرت هذه المقالة بدعم من مبادرة
«سينماء» لتعزيز المحتوى المعرفي السينمائي.