يمثل فيلم «الشاطر»، الذي انطلق عرضه في شاشات السينما نهايةَ شهر يوليو، تجربةً سينمائيةً جديدةً في السينما المصرية، إذ يسعى بطريقته الخاصة إلى المزج بين الأكشن والكوميديا، ضمنَ إطارٍ سرديٍّ متكامل. الفيلمُ من إخراج أحمد الجندي وبطولة أمير كرارة، وهنا الزاهد، إلى جانب مصطفى غريب، عادل كرم، وأحمد عصام السيد، وذلك وفقًا لما ورد في البوستر الرسمي.
في هذه الدراما السينمائية الشيِّقة، يؤدي أمير كرارة دور "أدهم"، وهو دوبلير محترف يجدُ نفسه في مواقف متنوعة تتطلَّب ردود أفعال ذكية وسريعة. وعلى الرغم من أن شخصية كرارة تشكّل محورَ الأحداث، فإن الأداء الكوميدي لكل من مصطفى غريب وأحمد عصام السيد كان له تأثير كبير، حيث أضفى طاقةً وحيويةً على الفيلم، وتفوَّق في بعض المشاهد على عناصر الحبكة الدرامية والأكشن، مما خلق لحظات فكاهية متدرِّجة وأكسبَ الأحداثَ روحًا مرحةً، وجعل تجربةَ المشاهدة متوازنةً بين التوتر والحركة والضحك الخفيف.
يتَّضح من مَشاهدِ فيلم «الشاطر» أن الكوميديا تنبعُ أساسًا من التفاعل بين الشخصيات وحواراتها المحكمة وردود أفعالها الدقيقة، ما يجعلُ الفيلمَ ينتمي إلى إطارِ الكوميديا الموقِفيَّة والحوارية في غالب مشاهده. يظهر ذلك جليًا في المشاهد التي يشارك فيها مصطفى غريب وأحمد عصام السيد، خصوصًا خلال اللحظاتِ الحرجة التي يحاول فيها أدهم السيطرةَ على مواقف الأكشن والسعي إلى تجاوز العقبات، حيث تضيف ردود أفعالهم الطريفةُ على المشاهد خفةً وروحَ دعابةٍ لطيفة. هذا الأسلوب في الحوار وتصميم المواقف يجعلُ الجمهورَ متورطًا مع الشخصيات ويستمتع بملاحظةِ تطوِّر الأحداث بشكل عفوي، ويعزز الطابع الكوميدي الطاغي على معظم مشاهد الفيلم.
ويُضاف إلى ذلك أنّ الفريق الذي شارك رفقة أمير كرارة كان يمتلك طاقة جماعية كبيرة، تميل أحيانًا إلى الارتجال واللعب الحر، مما يمنح المشاهد مساحة لقبول بعض مبالغات الحبكة وتجاوز غياب المنطق، في إطار الحفاظ على الإيقاع الكوميدي وخلق الضحك بطريقةٍ طبيعيةٍ وعفوية، دون الإخلال بسياق الأحداث.
تأتي مشاهد الأكشن في فيلم «الشاطر» كعنصرٍ داعمٍ للبعد الكوميدي، لكنها ضعيفة نسبيًا مقارنةً بحضور الكوميديا في الفيلم نفسه، ولا تضيف الكثير من الإثارة أو التشويق. فيما بدا أن توظيف الأكشن يعمل كغلاف بصري يبرر تنامي الحكاية السردية في الفيلم وتطور الشخصيات، مما يجعل الفيلم في المجمل تجربة كوميدية ناجحة بامتياز. ومع ذلك، فإن كل التشويق الذي حاول الفيلم بناؤه استُهلك تقريبًا بسبب كثرة مشاهد الفلاش باك، التي عُرضت بشكل متكرر كأنها شرحٌ مباشرٌ وتفصيلٌ للمتلقي، دون أن تترك له المجال لسد فراغات قصة الفيلم والتفاعل معها انطلاقا من مخيلته.
ومن هنا تأتي واحدة من السمات البارزة في الفيلم، وهي استخدام الفلاش باك بشكل متكرر، حيث أعيدت بعض المشاهد ثلاث مرات تقريبًا بهدف سد ثغرات النص وكشف تفاصيل الأحداث بشكل كامل. اللافت أن هذه المشاهد غالبًا ما كانت تسبقها عبارة من أحد الممثلين مثل "يلا فلاش باك"؛ مما أدى إلى كسر الجدار الرابع وجعل بناءَ الفيلم مكشوفًا أمام الجمهور، وكأن المخطط السردي معلَنٌ لهم مسبقًا. هذا الأسلوب، المعروف في النقد السينمائي بـ “repeated flashback” أو “iterative flashback”، يسمح للمشاهد بفهم دوافع الشخصيات وحركة الحبكة من زوايا مختلفة، ويخلق نوعًا من التشويق من خلال تقديم معلومات جديدة في كل تكرار. ومع ذلك، قد يكشف هذا التكرار عن هشاشة البنية السردية، إذ يتحول العرض إلى إعادة شرحٍ بدلاً من تقديم حبكة متماسكة، لكنه في الوقت نفسه يعزز الطابع الكوميدي من خلال تعليقات الشخصيات الطريفة على تصرفاتها السابقة، ويجعل المشاهد شريكًا في اللعبة السردية ضمن حدود النص المكتوب.
تمثل النهاية نقطةً محوريةً في تقييم البناء الدرامي للفيلم، إذ تتجمّع مختلف خيوط السرد مرة أخرى، مع إبراز الانتصار الرمزي للقيم الأساسية مثل التضحية والصداقة والشجاعة، وعودة الفيلم إلى الحالة الطبيعية بعد حل عقدة أحداثه. فتنجح الشخصيات في التغلب على العقبات، ويظهر "أدهم" وهو يستعيد السيطرة على المواقف بمزيج من الحنكة والذكاء، بينما تتعزز الكوميديا من خلال التفاعل المتبادل بينه وبين الشخصيات الأخرى، بنهاية تقليدية ترضي الجمهور عادةً، دون كسر أفق التلقي، مع تلميح إلى إمكانية خوض مغامرة جديدة في المستقبل.
يمثل الأداء التمثيلي، مع ذلك، جانبًا آخرَ من عناصر القوة في الفيلم، حيث يُظهر أمير كرارة قدرةً على التكيف بين المواقف الجدية والكوميدية بسلاسة، وهو ما يسمح للمشاهد بالتفاعل مع الشخصية وفهم تعقيداتها. كما قدم مصطفى غريب وأحمد عصام السيد أداءً متناسقًا مع النص المكتوب، مع الحفاظ على روح الدعابة دون اللجوء إلى المبالغة الزائدة أو الخروج عن المنطق الداخلي للأحداث. ويعكس هذا التوازن بين الأداء الكوميدي والدرامي استثمارًا جيدًا للطاقات التمثيلية في خدمة السرد العام، وتطورًا في أداء وتجارب الممثلين، كما يؤكد على أهمية النص المكتوب في تنظيم الإيقاع الكوميدي وضمان استمرارية التفاعل مع الجمهور.
في المجمل، يمكن القول إن فيلم «الشاطر» قد نجح، إلى حد مقبول، في تقديم مزيجٍ من الكوميديا والأكشن ضمن إطار واحد، مع التركيز على الأداء التمثيلي والنص المكتوب، وتوظيف تقنيات سينمائية مثل الفلاش باك والسينماتوغرافيا لتعميق تأثير الفكاهة والمواقف. يعكس هذا التوجه قدرة السينما المصرية على تقديم أعمال تجمع بين الترفيه والتحليل الفني، حيث يمكن للجمهور الاستمتاع بالمواقف الكوميدية ومطاردات الأكشن، كما يتيح له في الوقت نفسه متابعة تطور الشخصيات وفهم سياقات الأحداث بشكل واضح.
على الرغم من ذلك، يظل البناء السردي محافظًا إلى حد كبير، إذ تركز النهاية على حل العقد بشكل تقليدي يضمن رضا الجمهور دون كسر توقعاته أو تقديم بُعدٍ دراميٍّ غير مألوف. تُظهر مشاهد المواجهة الأخيرة انتصار الشخصيات على العقبات بطريقة سلسة ومنطقية، مع تعزيز قيم الصداقة والشجاعة، بينما تبقى الكوميديا عنصرًا طاغيًا يخفف من حدة الأحداث ويضفي خفة على خاتمة الفيلم. هذا التوازن يمنح المشاهد شعورًا بالاكتمال، لكنه في الوقت نفسه يوضح أن الفيلم لم يختر المغامرة بأساليب سردية جديدة أو غير تقليدية، بل اكتفى بالحفاظ على الإيقاع المألوف والمضمون الآمن الذي يُرضي جمهورَ الكوميديا.
بهذا المعنى، يمثل فيلم «الشاطر» تجربةً سينمائيةً ممتعةً تركِّز على الضحك والأداء المدروس، إلى جانب استخدام التقنيات البصرية على نحو يدعمُ السرد دون إحداثِ مفاجآتٍ دراميةٍ كبيرة، وهو ما يعكس قدرة صناع السينما المصرية على تقديم ترفيهٍ متكاملٍ ومتوازنٍ، يمكن تحليله ضمن سياق الأعمال الكوميدية المعاصرة، كأمثلةٍ على كيفية المزج بين الفكاهة والأكشن ضمن الحدود المألوفة للجمهور.