في فضاء السينما، حيث تكتمل الصورة بالألوان والحركة، يبقى الصوت هو الخيط الخفي الذي يربط بين اللحظات والأحاسيس، فهو ليس مجرَّد إضافةٍ في السينما، بل إنَّه كيان الفيلم وروحه، العنصر الذي يأسرُ الأنفاس ويترجم الباطن غير المعلن. لم يعد شريط الصوت اليوم أقلّ شأنًا من الصورة، بل بات يوازيها في الأهمية؛ إذ لا تكفي مشاهدة القصَّة، بل ينبغي تحسُّسها والشعور بها وهي تتسلَّل إلى الحواس، ليجد المرء نفسه مستغرقًا في عالمها. لا يكتفي الصوت، بما يحمله من حوارات ومؤثرات موسيقية وصوتية، بكونه مجرَّد خلفيَّةٍ أو عنصرٍ مكمل، بل يودُّ أن يغدو عنصرًا جوهريًّا يثري البُعدَ النفسيَّ للشخصيات ويمنحها عمقًا يتجاوز حدود الصورة. إنَّ عمليَّة تسجيل الحوارات وتصميم المؤثِّرات الصوتيَّة ليست مجرَّد تقنيَّة، بل هي فنٌّ قائمٌ بذاته، فنٌّ يفضي إلى انغماسٍ حقيقيٍّ في التجربة السينمائيَّة، بحيث لا يعود المشاهد مجرَّد متلقٍ صامت، بل يتحوَّل إلى جزءٍ من السرد، ينساب مع تفاعلاته كما ينساب الصوت بين تفاصيله.
تُعرَّفُ عمليَّة إنشاء الموسيقى والتأثيرات الصوتية المتماشية مع أحداث الفيلم وشخصياتِه سينمائيًّا بمصطلح "تصميم الصوت" (Sound Design). استُخدم المصطلح لأول مرة في فيلم «القيامة الآن» (Apocalypse Now - 1979)، حيث تولَّى المخرج فرانسيس فورد كوبولا مهمَّة الإشراف على تصميم الصوت بنفسه. شكَّل هذا الابتكار نقطة تحوُّلٍ في تمكين السرد البصري، ممَّا أسهم في فوز الفيلم بجوائز الأوسكار. ومع مرور الوقت تطوّر هذا المجال ليغدو فنًّا مستقلًا بذاته، فنٌّ يهدف إلى تعميق الواقعية وتعزيز الإحساس، وذلك عبر توظيف تقنيات وبرامج متخصصة. فللصوتِ قوَّةٌ كامنةٌ تتجاوز حدود الترافق البسيط مع الصورة، إذ يُضفي بعدًا نفسيًّا وجماليًّا يكثِّفُ من عمق المشهد ويعزِّز أثره الدرامي، ليصبح جزءًا لا يتجزَّأ من النسيجِ السرديِّ للفيلم.
في هذا المقال، نستعرضُ بشكلٍ تحليليٍّ كيف أسهمت الموسيقى التصويرية والأغاني في تشكيل النسيج السردي لفيلم «لا لا لاند» (La La Land - 2016) ، تحفة داميان شازيل السينمائيَّة التي تنسج بين طياتها قصة عشقٍ بين سيباستيان (رايان غوسلينغ)، عازف البيانو المهووس بإحياء مجد الجاز، وميا (إيما ستون)، الطامحة إلى النجومية في عالم التمثيل. الفن، الذي جمعهما تحت وهجه الساطع، هو نفسه الذي يفرِّق بينهما حين يقرِّران التضحية بحبِّهما في سبيل تحقيق طموحاتهما الفرديَّة، في حبكةٍ ترتكزُ على توظيفٍ صوتيٍّ وموسيقيٍّ دقيق. يعيدُ الفيلم تعريف دور الموسيقى في السينما، لا بوصفها خلفية تزيينية فحسب، بل كعنصر درامي فاعل يقود الأحداث ويُعمّق التفاعل العاطفي، حتى تغدو الموسيقى صوتًا موازٍ للسرد.
وكما اعتاد المخرج داميان شازيل أن يصوغ أفلامه على إيقاع ألحان جاستن هورويتز، جاء «لا لا لاند» ليكون محطة جديدة في هذا التعاون الإبداعي الذي أصبح سمة مميزة لأعمالهما. يُعد هورويتز العقل الموسيقي وراء الفيلم، إذ صاغ ألحانَه بأسلوبٍ يمزج بين الحنين والرومانسية، ليضفي على العمل سحرًا صوتيًا لا يُنسى. هذا الملحن الأمريكي، الذي شكَّل مع شازيل ثنائيًا فنيًا متماسكًا، تجلَّى إبداعه أيضًا في أفلام مثل «ويبلاش» (Whiplash - 2014) و «الرجُل الأول» (First Man - 2018)، وبفضل عبقريته الموسيقية، حصد جائزة الأوسكار لأفضل موسيقى تصويرية، إلى جانب جائزة الأوسكار لأفضل أغنية أصلية عن أغنيته الساحرة «مدينة النجوم» (City of Stars)، التي أصبحت رمزًا للحلم في «لا لا لاند».
يشترك سيباستيان وفليتشر (جوناثان كيمبل سيمونز) من فيلم «ويبلاش»، العمل السابق للمخرج داميان شازيل، في هاجسٍ مشترك: إحياء الجاز، تلك الموسيقى الآخذة في الاندثار بفعل لامبالاة الجماهير وغياب التقدير الفني. غير أنَّ شازيل، من خلال أفلامه، لا ينعى فقط زوال الجاز، بل يرثو انحسار الفنِّ ذاته في عالمٍ بات يُقصي الجمال ويستخفُّ بالقيمة الحقيقيَّة للإبداع. ويظهر ذلك جليًا في تجربة أداء ميا، حيث تُقصى لأسباب واهية، وفي مشهد مسرحها شبه المهجور الذي يبدو كأنَّه مرآة لوضعِ الفنِّ المعاصر: مغتربٍ، منسيٍّ، مهدِّدٍ بالانطفاء.
لم يقتصر تألُّق رايان غولسينغ في لا لا لاند على أدائه التمثيليِّ الآسر، بل تجسَّد فيه التزامٌ فنيٌّ استثنائيٌّ بتقمُّص دوره حتى أعماقه، إذ كرَّس شهورًا من التحضير لتعلُّم عزف البيانو، وبإصرارٍ منقطع النظير انغمسَ في تدريباتٍ مكثَّفةٍ امتدَّت لأربع ساعاتٍ يوميًّا، حتى بلغ مستوى من الإتقان مكَّنه من أداءِ المقطوعات الموسيقيَّة بنفسه، دونما تكلَّفٍ أو تصنُّع. وبفضل هذا التفاني، لم يجِد المخرج داميان شازيل ضرورةً للاستعانة بمؤدٍ بديلٍ في مشاهد العزف، إذ استطاع غوسلينغ أن يمنحَ الفيلم واقعيَّةً متفرِّدةً وسحرًا موسيقيًّا خاصًّا.
نال داميان شازيل جائزة الأوسكار كأصغر مخرج في تاريخ الجائزة حتى ذاك الحين، بينما حصدَ الفيلم ستَّ جوائزَ أوسكار أخرى. بفضل مزجه الأخَّاذ بين الصورة والصوت، وتصميم الأزياء المستلهَم من الكلاسيكيَّات، يرتقي «لا لا لاند» إلى مصافِ الأعمال الخالدة، كقصيدةٍ بصريَّةٍ وموسيقيَّةٍ تمجد الأحلام رغم ثمنها الباهظ. أسهم التوظيف المتقن لهذه العناصر في بناءِ نسيجٍ دراميٍّ متينٍ يربطُ المشاهِد بالفيلم على مستوى عاطفي عميق، وتميز الفيلم بسيناريو مُحكمٍ صيغَ بعنايةٍ فائقة، ممَّا جعل تسلسل الأحداث يجري بانسيابيَّةٍ تأسرُ المتلقِّي، دون الوقوع في فخِّ الرتابة أو التكهُّنِ المسبَق.
لكلِّ مشهدٍ موقعه الحيوي في البناء السردي: لقطاتٌ طويلة، وحركاتٌ بطيئة تتناقضُ مع إيقاعِ فيلمه السابق «ويبلاش»، بما يعكس فلسفة سردية مغايرة، إذ إنَّ حذف أيٍّ من هذه المشاهد كان كفيلًا بالإخلال بتوازن الفيلم وتقويض رسالته الجوهرية. فما من فيلمٍ ناجحٍ دون أن يتمكَّن مخرِجُه من استدراج المتفرِّج إلى فضائه النفسي والوجداني، وهو ما نجح فيه شازيل ببراعةٍ تحسب له.
الموسيقى التصويريَّة في «لا لا لاند» و تأثيرها على السرد السينمائي
1- العلاقة بين الموسيقى ونوع الفيلم:
يُفتَتح «لا لا لاند» بمشهدٍ استثنائي يمزجُ ببراعةٍ بين الفوضى الحضريَّة والسحر السينمائي، إذ تمتدُّ زحمة المرور على طريقٍ سريعٍ تحت شمس لوس أنجلوس الساطعة في صورةٍ مألوفةٍ وعاديَّة. بيد أنَّ هذا المشهد العادي الرتيب سرعانَ ما يتحوَّل إلى استعراضٍ موسيقيٍّ مبهرٍ يتحرَّر فيه العالقون داخل سيَّاراتهم من قيود الانتظار، وتتحوَّل المركبات إلى مسارح مرتجلةٍ تنبضُ بالحياة والحركة. بهذا المشهد الإفتتاحي يكشفُ الفيلم عن هويَّته البصريَّة والسرديَّة و الموسيقيَّة، ويأسر انتباه المشاهد في لحظةٍ خاطفة.
يبدأ المشهد بالصوت الديجِتيك (Diegetic sound)، أي «الصوت المنبعث من داخل عالم الفيلم السردي»، حيث تتناغم الأصوات البيئيَّة المحيطة - زماميرُ السيارات، المحادثات العابرة، الموسيقى المنبعثة من النوافذ المفتوحة - لتصوغَ لحظةً مشبعةً بالحيويَّة والواقعيَّة. ولكن مع بدء أغنية «Another Day of Sun»، يستمرُّ الصوتُ الديجِتيك في تشكيل النسيج السمعي للمشهد، حيث تمتزجُ الموسيقى بالصخبِ اليومي، فتجعل من زحام السيَّارات لوحةً ديناميكيَّةً نابضةً بالحياة وتفيضُ بالطاقة والحركة. تشعُّ الأغنية كوميضٍ خاطف، تنفجر بالحيويَّة وتحمل المستمع في دوَّامةٍ من النشوة والإيقاع المتسارع، فترتفعُ بالمشاعر نحو فضاءٍ يضجُّ بالحلم والطموح. كما يصعب فصلها عن المشهد الافتتاحي الآسر، حيث تنساب الأجساد بين السيارات وتتمايلُ في رقصةٍ مفعمةٍ بالحياة. غير أنَّ التركيز على الكلمات وحدها يكشفُ عن بعدٍ أعمق: نشيد للحالمين، ومرآة تكشف عن بريق هوليوود المراوغ :
«وراء هذه التلال أبحث عن هدفي
وأطارد كلَّ الأضواء التي تلمع
وعندما تخذلك
انهض مجدَّدًا
لأنَّ الصباح آتٍ».
في المشهد ذاته، ومن منظور الصوت (Sound Perspective)، تم توظيف العناصر السمعيَّة بدقَّةٍ بالغة، حيثُ تتغيَّر كثافة الصوت، كثافة الصوت وتدرُّجاته—تصاعدًا أو تلاشيًا—وفقًا لحركة الكاميرا وموضعِها؛ فكلَّما اقتربت العدسةُ من سيَّارةٍ ما ارتفعت نغماتها، وحين تبتعدُ تخفت تدريجيًا، ممَّا يخلق وهمًا صوتيًا غارقًا في الواقعية. لا يقتصرُ التصميم الصوتيُّ على الموسيقى وحدها، بل تتجلَّى عبقريَّته في التفاصيل الدقيقة: أصواتُ الأقدام وهي ترقصُ فوق هياكل السيارات، إيقاع الأبواب تُفتَح وتُغلَق بتناغمٍ محسوب، كلُّ ذلك يضفي على المشهد إيقاعًا ملموسًا يكادُ يُلمَس بالصوت وحده. هذه المؤثِّرات لا تعزِّزُ فقط حسَّ الواقع، بل تُكمِل أيضًا سحر الاستعراض. بهذا التزاوج بين الصورة والصوت، وتحت شمسِ لوس أنجلوس الساطعة، يتجاوزُ المشهد وظيفته كمجرَّد مقدِّمة، ليغدو بيانًا سينمائيًّا يُعلن عن عالمٍ لا حدود فيه بين الواقع والحلم، بين العابرِ والخالد.
في مشهدٍ آخر، وبينما تستعدُّ صديقاتُ ميا للخروج إلى حفلةٍ في ليلةٍ صيفيَّة، ينبضُ المشهدُ بإيقاعٍ موسيقيٍّ حيويٍّ ومُبهِجٍ يتسلَّلُ إلى الأجواء كنبضٍ احتفاليٍّ يحثُّ على الانطلاق والانغماس في الحياة. غير أنَّ ميا، الغارقة في إحباطها والمُثقَلة بخيبةِ تجارب الأداء، ترفضُ الانضمام إليهن. تدركُ صديقاتها أنَّ الاستسلام للحزن ليس خيارًا لها، فيبدأنَ بمحاصرةِ مزاجها الكئيب بالإيقاع والمرح، وفق طاقتهنَّ المتَّقدة، مردِّداتٍ كلمات أغنية Someone in The Crowd. هنا يتأرجحُ الصوتُ بين الموسيقى العابرة للسرد (Trans-Diegetic Music) والموسيقى الغامضة سرديًا (Ambiguous Diegetic Music). يتحوَّل المشهدُ تدريجيًّا إلى عرضٍ بصريٍّ وصوتيٍّ متكامل، حيث يمتدُّ الرقص من الغرفة إلى الشارع، فتغمر الألوان والحركة فضاءَ المشهدِ بإحساسٍ لا يُقاوم من البهجة والاحتفال. ولربطِ المشهدين، يوظِّف المخرج تقنيَّة جسر الصوت (Sound Bridge)، إذ تستمرُّ الموسيقى بلا انقطاع، ناقلةً المُشاهد بسلاسةٍ من أجواء الغناء والرقص إلى قلب الحفلة، دون أن يتلاشى الإحساس أو يضعف المزاج العام، ليؤكِّدَ مرَّةً أخرى على الحرفيَّة العالية في التصميم السمعي للفيلم. وسط صخبِ الحفلة واختلاط الأصوات، تنسحب ميا إلى الحمَّام، هاربةً من الفوضى التي لا تتناغمُ مع اضطرابها الداخلي. أمام المرآة، تقفُ شاردةً وتحدِّق في انعكاسِها، وبصوتٍ خافتٍ تهمسُ لنفسها مقطعًا موسيقيًّا بطيئًا، تنساب كلماته بانكسارٍ يتماهى مع إحباطها، فيصبح الصوتُ هنا ديجيتيًّا، نابضًا بحقيقتها الداخليَّة:
«هل ذاك الشخص بين الحشود
هو الشيء الوحيد الذي ترينه حقًّا؟
بينما تراقبين دوران العالم حولك
في مكانٍ ما، حيث ثمَّة مكان
سأجدُ فيه من سأكون عليه
مكانٌ ما بانتظاري كي أكتشفه».
في الوقت الذي تسلك الإضاءة مسارها الموضعي، مسهمةً في تلاشي العالم من حول ميا وانسحاب الزمن إلى الخلفيَّة، تتقدَّم كلمات الأغنية لتُصبح هي لونُ المشهد ونبضه، فتغمر اللحظةَ بحسٍّ داخليٍّ خالص، حيثُ تتلاشى التفاصيل البصريَّة لصالح البوح السمعي.
تغادر ميا الحفلة، تتهادى خطواتها في الشارع، محاطة بصمت الليل إلا من موسيقى «Epilogue» الخافتة التي تنسابُ من بعيدٍ بصبغةٍ ديجيتيَّة، كما لو أنَّها ترجمةٌ سمعيَّةٌ لمكنونِها العاطفي. لكنَّها ما إن تدخل حانة ليبتونز حتَّى ترى العازف هو نفسه الرجل الذي التقَت به قبل عدَّة أيام في زحام المرور، أي سيباستيان، الذي يقرِّرُ أن يرتجل معزوفة جاز لا تعكس حالته النفسيَّة فحسب، بل ترنُّ بذبذبات التوتُّر الذي يسكن ميا كذلك. هنا تتحوَّلُ الموسيقى إلى وسيطٍ دراميٍّ يرسم ملامح لحظةٍ فارقة، وكأنَّها الخيط الخفيُّ الذي نسج لقاءهما، وحدَّد الزمان والمكان، دون حاجةٍ لكلمات.
في البدايةِ يعزف سيباستيان ألحان عيد الميلاد، إذ تفرضُ عليه قواعد عمله الالتزامَ بالقائمة المحدَّدة، غير أنَّ أصابعَه تلامسُ المفاتيحَ بلا شغف، باردة، جوفاء وخالية من الروح، وهو ما يعدُّ مثالًا بارزًا على تقنيَّة صوت الكونترابونتال (Contrapuntal Sound)، حيث يتناقض اللحنُ البهيجُ مع الكآبةِ العميقة التي تسكن داخله، في مفارقةٍ تبرزُ سخرية الموقف. إلا أنَّه، ومدفوعًا بولعه الموسيقي وتمرده على القيود، يتجاوزُ التعليمات وينغمسُ في عزف «Epilogue»، التي لا تنسجم مع طبيعة الليلة ولا مع أجواء المطعم الفاخر في قلب لوس أنجلوس. وما إن تنساب النغمات بحرِّيتها، حتى يُطرد من العمل، في مشهد يُجسِّد المفارقة المؤلِمة بين الالتزام والحريَّة، بين الامتثال والإبداع.
وكمثالٍ إضافيٍّ على براعة التوظيف السمعي، يمكننا التوقُّف عند مشهد ميا في حفلة التعارف في بداية الفيلم. في هذا المشهد، نرى ميا قد أمضت يومًا سيِّئًا بسببِ تجربةِ أداءٍ فاشلة، وجهها ساكنٌ ومثقلةٌ بالإحباط. في المقابل، تملأ الموسيقى الأجواء بإيقاعها الحالم، والضيوف من حولها يرقصون، يحلِّقون في السماء كما لو أنَّ العالم كلَّه يعيش لحظةً سحريَّةً لا تنتمي إليها. هنا يتجلَّى التناقضُ بين حالتها النفسيَّة والمشهد الاحتفاليِّ المحيطِ بها، ممَّا يعمِّق إحساسَها بالعزلة. هذا مثالٌ حيٌّ على تقنيَّة صوت الكونترابونتال، حيث يتعارضُ العنصر البصري (حزن ميا) مع العنصر السمعي (الموسيقى البهيجَة/الرقص)، ما يخلق تأثيرًا دراميًا أقوى من لو كان المشهد كلُّه متوافقًا مع حالتها العاطفيَّة.
في الحفلة الصيفية الثانية عند المسبح، يلتقي سيباستيان وميا مجدَّدًا، وكأنَّ الأقدار تعيد تشكيل مسارهما. هذه المرة يغادران الحفلة سويًّا، يتجاذبان أطراف الحديث بينما يعبران شوارع لوس أنجلوس الهادئة، حتى يجدان نفسيهما أمام مشهدٍ بانوراميٍّ يخطف الأنفاس: أنوار لوس أنجلوس تمتدُّ كشريانٍ من الذهبِ تحت سماءٍ مجازيَّة، كأنَّ المدينة ذاتها تصغي إلى لحظتهما العابرة الخالدة. هنا تبدأ الموسيقى بالتسلُّلِ بخفَّةٍ في الخلفيَّة، وصوت سيباستيان ينساب معها، شفافًا وحميميًّا، ليغنِّي ما يشبه اعترافًا خفيًّا. تلتحق به ميا، وتتشكَّل بينهما تناغميَّة صوتيَّة رقيقة، ليست مجرَّد أغنية، بل انصهارٌ لحظيٌّ بين العاطفةِ والنغم. تتردَّد الكلماتُ محمَّلةً بدلالاتٍ تتجاوزُ الظاهر، مستحضرةً لقاءَهما الأول، وصراعهما الداخلي بين الانجذاب والإنكار:
«الشمس توشكُ على الغروب،
والأضواء بدأت تضيءُ
بريقًا فضيًّا يمتدُّ حتى البحر.
لقد تعثرنا بمنظرٍ صُمِم لأجلِ شخصين،
يا للخسارة، هذان الشخصان هما أنا وأنت».
ثمَّ يتسلَّلُ التناقضُ المحتوم، كظلٍّ لا مفرَّ منه، حيث تُعرِّي الكلمات هشاشةَ اللحظة، وتفضحُ الوهمَ الرومانسيَّ الذي يحيط بها. فكلُّ ما يبدو شاعرًا وساحرًا في تلك اللحظة يخفي خلفه يقينًا صامتًا: إنَّ هذا الحب، مهما بدا مثاليًا، محكومٌ عليه بالفناء. يتكشَّف الحلم، لا بانفجاره، بل بتسلُّله إلى واقع لا يحتمله. وهكذا يصبح الغناء ذاته مرآةً للقدر، يعكسُ الجمال المرهف والخذلان المحتوم في آنٍ واحد:
«فتاةٌ وشابٌ آخران
كانا ليعشقا هذه السماء الحائمة،
ولكن أنا وأنت هنا،
لا فرصة لدينا،
هذا لن يحدث أبدًا
فلستِ من النوع المفضَّل لدي
ولا شرارة تلوح في الأفق
يا لخسارة هذه الليلة الساحرة».
وبينما تتردَّدُ الكلمات في الهواء، تتحوَّلُ الأغنية إلى رقصةٍ تتمايلُ على إيقاعها العواطفُ غير المعلنة. بخطواتٍ محسوبةٍ وإيماءاتٍ مدروسةٍ ينغمسُ الاثنان في رقصةٍ تستحضر زمن الرقص الكلاسيكيِّ في الخمسينيَّات والستينيَّات، حيث لا تكون الحركةُ مجرَّد استعراضٍ بقدرِ ما هي لغةٌ تعبيريَّةٌ تفضحُ الخبايا العاطفيَّة لكلٍّ منهما. في تلك اللحظات، ينجحُ داميان شازيل في تعرية العوالم الداخلية للشخصيَّتين؛ ويظهرُ سيباستيان كعازفِ جازٍ مهووسٍ بإحياء إرث موسيقاه، وتتكشَّف ميا كممثِّلةٍ طموحةٍ تبحثُ عن مكانها وسط عالمٍ لا يعترفُ إلا بالانتصار. هذه الرقصة ليست مجرَّدَ مشهدٍ سينمائي، بل تجسيدٌ بصريٌّ وموسيقيٌّ لصراع الإرادة والقدر، حيث تتقاطعُ الأرواح للحظات، ولكنَّها تظلُّ عالقةً بين ما هو ممكنٌ وما هو مستحيل.
طوال الفيلم، أبدع شازيل في تشكيلِ عالمٍ بصريٍّ وسينمائيٍّ متكامل، حيث لم يكن اللون مجرَّدَ عنصرٍ جمالي، بل أداة سرديَّةٌ تُحاكي الزمن الذهبيَّ للخمسينيَّات وتعزِّزُ البعد الشعوري للشخصيَّات. لم تُستخدَم الألوان الصاخبة والمحدَّدة بدَّقة - الأصفر والأخضر، الأحمر والأزرق والأرجواني - على نحوٍ اعتباطي، بل جاءت لتُجسِّدَ الحالات النفسيَّة المتقلِّبة، ولتعكس التوتُّر بين الحلم والواقع، بين الطموح والانكسار. اعتمد شازيل على ملابسَ ذات لونٍ واحدٍ يشير إلى نقاءِ دواخل الشخصيات أو عزلتها في عوالمها الخاصة، بينما أضفت رقصة الفلامنكو ونغمات الجاز حضورًا متناقضًا ينبض بالحيويَّة والتمرُّد. وبهذا تجاوز الفيلم كونه سردًا بصريًّا فقط ليصبحَ رحلةً حسيَّة، حيثُ تتشابكُ الصورة والموسيقى والإيقاع في نسيجٍ لا يُفكَّك. أمَّا مدينة لوس أنجلوس فلم تكن مجرَّد خلفيَّةٍ لأحداثِ الفيلم، بل تجسَّدت كشخصيَّةٍ حيَّةٍ مليئةٍ بالمتناقضات. هذه المدينةُ تحضن الحالمين وتدفعهم إلى أقصى حدودهم، وقد أخذنا شازيل عبر شوارعها الشهيرة، من الحانات المغمورة التي تهمس بموسيقى الجاز، إلى الأزقَّة التي بدت كأنَّها خارجةٌ من حلمٍ ملوَّن. ورغم سحرها البصري، لم تُعرض المدينة بصورتها الحالمة فقط، بل كُشف عن وجهها المزدوج: الحلم البرَّّاق الذي يجذب، والواقع القاسي الذي يبتلع. بذكاءٍ سرديٍّ لافتٍ قسَّم شازيل الزمن إلى خمسة فصول، كلُّ فصلٍ منها يتتبَّع تحوُّلًا نفسيًّا أو دراميًّا في مسار الشخصيَّات، كأنَّ الزمن ذاته يُعيد تشكيلَ ملامح الحكاية. وفي قلب هذا العالم، كان للبيانو صوتٌ خاص، ليس كآلةٍ موسيقيَّةٍ فحسب، بل كامتدادٍ داخليٍّ للشخصيَّات. تنوَّعت ألحانه بين نغماتٍ حالمةٍ شفَّافة، وإيقاعات جازٍ متأجِّجةٍ تنقلُ فوضى الطموح والحنين والانكسار. وإلى جانبه، شاركت آلات أخرى (الساكسفون، الترومبيت، الدرامز، الكيتار الإلكتروني) في بناء الهويَّة الموسيقيَّة للفيلم، لا كمجرَّد خلفيَّة، بل كصوتٍ دراميٍّ داخلي. وكان اللحن الأبرز «Mia and Sebastian's Theme» بمثابة القلب النابض للفيلم، لحنٌ لم يكتفِ بمرافقةِ المشاهد، بل صار مرآةً صادقةً لعلاقتهما، منذ النظرة الأولى وحتى الفراق، مجسِّدًا الحب كحالةٍ موسيقيَّةٍ أكثر من كونه حكايةً تقليديَّة.
تقييم تصميم الصوت في «لا لا لاند» بشكل مفصل وفقًا لمعايير التصميم ( Sound Design Criteria)
1- المونولوج/الحوار:
أ- نبرة الحديث:
في مقهى The Lighthouse، يفيض سيباستيان بشغفه العارم تجاه موسيقى الجاز، متحدِّثًا إلى ميا بانفعالٍ كما لو أنَّه يُلقي خطابًا أخيرًا لإنقاذ روحٍ على شفا الزوال. كلماته تتدفَّق مسرعة، متوتِّرة، عاجزةً على احتواء عمق ما يشعرُ به. يمكننا أن نستشعر الحماسة المتَّقدة في صوته الذي يتراوحُ بين التوتُّر والحيويَّة، وكأن المشاعر بداخله تتجاوز قدرته على التعبير.
ب- توازن الموسيقى/الحوار:
في المشهد ذاته في المقهى، يشرع سيباستيان في شرح حبِّه لموسيقى الجاز لميا، بينما يطفو الصوت الديجيتيك للجاز على خلفيَّة المشهد. تتَّسم الموسيقى هنا بنغماتٍ عاليةٍ تغمُر المكان وتُبرِز حيويَّة اللحظة. ولكن مع دخول الحوار بين ميا وسيباستيان، يطرأ تغييرٌ دقيقٌ على مستوى الصوت: ينخفضُ صوت الموسيقى تدريجيًّا ليترك المجال لصوت الشخصيَّتين بوضوحٍ مقصود. جرى ضبطُ الصوت بحيث يشعر المشاهد وكأنه يجلس بين الجمهور، وسط الأجواء ذاتها. لا تتعارضُ هذه الخلفيَّة الصوتيَّة مع تفاصيل الحوار العاطفي بينهما، بل تظلُّ بمثابةِ خيوطٍ غير مرئية تربط بين اللحظة والمكان. كما لا يحجبُ حوارهما المسار الموسيقي، وهذا يعود للموقع الصوتي والتوزيع المكاني الدقيقَين، متكررًا في مشاهد مثيرةٍ على طول الفيلم.
2- المؤثرات الصوتية:
يمكن ذكر أمثلةٍ لا حصر لها من المؤثِّرات الصوتيَّة، ولكن لنركِّز على المشهدِ الذي تسكبُ فيه ميا القهوة على قميصها قبل تجربة الآداء. يعد هذا مثالًا رائعًا على استخدام المؤثرات الصوتية لتكملة الفعل البصري وتعزيزه، إذ يُضفي الواقعيَّة على المشهدِ ويمنح المُشاهد لمحةً تمهيديَّةً لما سيحدثُ لاحقًا. هذه اللمسة الدقيقة ساهمت في إيصال الإحساس الكامل بالصورة والمشهد والنتيجة.
3- الموسيقى:
أ- العلاقة بين الموسيقى والموضوع :
جرى تأليف جميع المقاطع الموسيقيَّة في فيلم «لا لا لاند» بدقَّة متناهيةٍ بما يتناسب مع جوهر الفيلم، محققةً تكاملًا تامًّا بين الموسيقى والسرد السينمائي. تنوَّعت الألحان في الفيلم بمهارة، متنقِّلةً بين إيقاعاتٍ سريعةٍ ومفعمةٍ بالحيويَّة تبرزُ طموحات الشخصيَّات وحماستهم، وصولًا إلى مقاطعَ موسيقيَّةٍ ساكنةٍ وعميقةٍ تبرز التوتُّر الداخلي والمشاعرَ الغامقة. هذا التنوُّع الموسيقي لا يقتصر فقط على تفعيلِ المشاهد، بل يغمرها ويُغنيها، لينسج بدوره تجربةً سينمائيَّةً تتناغم فيها الموسيقى مع الشخصيَّات والمواقف، وتصبح شخصيَّةً أساسيَّةً في الفيلم.
ب- التناسق بين المشاهد والموسيقى:
تمَّ اختيارُ الموسيقى بعنايةٍ لتنسجم مع كلِّ مشهدٍ على حدة. في مشهدِ الرقص النقري (Tap Dance) على إيقاع مقطوعة «A lovely Night» بين ميا وسيباستيان، تعكس موسيقى الجاز بخفَّتها حركات الرقص بانسيابيَّة، ممَّا يعمِّقُ التواصل بين الشخصيَّتين. أما في مشهد رقصة الفالس وسط التحليق في القبَّة الفلكيَّة، تسهم مقطوعتا «Planetarium» و «Epilogue» بشاعريَّتهما وهدوئهما في إضفاء طابعٍ رومانسيٍّ حالِمٍ يُثري اللحظة ويمنحها عمقًا عاطفيًّا مضاعفًا. كما أن موسيقى «Epilogue» تعدُّ بحدِّ ذاتها مركز «لا لا لاند» الموسيقي. ولا يمكن أن يخرج المُشاهِد من قاعة الفيلم دون أن يدندن بهذا اللحن لمدَّةٍ ليست بالقصيرة.
ج- الاستخدام المفرط/غير الكافي:
في «لا لا لاند» تُستَخدُم الموسيقى بشكلٍ شبه متواصل، وهو ما ينسجم تمامًا مع طابع الفيلم الموسيقي. ومع ذلك يظلُّ الصمت ذا قيمةٍ لا تقلُّ أهميَّة. في أحد أكثر المشاهد تأثيرًا، حين يُحضِّر سيباستيان العشاء لميا قبل مغادرته في جولته، تظهرُ الموسيقى كصوتٍ ديجيتيٍّ عبر الغراموفون في الخلفيَّة. ولكن مع تصاعد الحوار وتوتر اللحظة، يُصدَم المشاهد بتوقُّفٍ مفاجئٍ للموسيقى ليحل محلُّها الصمت التام. هذا الصمتُ لا يجسِّدُ ذروة التوتُّر العاطفي بينهما فحسب، بل يرسم نهاية العلاقة أمام عيني المشاهد. هنا يصبحُ الصمتُ أداةً تعبيريَّةً بامتياز، ينقلُ مشاعر ميا من حزنٍ وارتباكٍ بشكلٍ أكثر قوَّةً وتأثيرًا مما قد تفعله أيُّ موسيقى.
د- التجاور/السرد الافتراضي:
في المشهد الأخير داخل الحانة، يوظِّفُ الفيلم السرد الافتراضي (Hypothetical Narrative) والتجاور (Juxtaposition) لإبراز التناقضِ بين الحلم والواقع، فنشاهدُ تصوُّرًا خياليًّا لما كان يمكن أن تكون عليه حياة البطلين لو بقيا معًا، بحيث تُسرد الأحداث بمثاليَّةٍ وسلاسة. ثمَّ يعود المشهد إلى الواقع، إلى نظرة ميا الأخيرة لسيباستيان قبل أن تغادر مع زوجِها. هنا يتجلَّى التجاور بوضوحٍ من خلال القطع السريع بين اللحظات السعيدة المتخيَّلة والواقع المفروض: علاقةُ الحبِّ الفاشلة مقابل تحقيقِ الحلم الخيالي.
يمكننا أيضًا ملاحظة التجاور الموسيقيِّ في العلاقة بين الجاز والبيانو، أداتَين تبدوان متناقضتين في طبيعتهما لكنَّهما تتكاملان بشكلٍ لافت، ما يعكسُ التناقضات والتكاملات التي تصاحب رحلة الشخصيات في فضاء الفيلم. إلى جانبِ ذلك تتكرَّر موسيقى «Mia and Sebastian's Theme» في لحظاتٍ مفصليَّةٍ تخدم الصورة، ليصبح هذا اللحن بمثابة ليتموتيف (Leitmotif) يعكسُ تطوُّر الأحداث والتقلُّبات العاطفيَّة التي تمرُّ بها الشخصيَّات.
هـ- الشدة والمدى الديناميكي:
يتلاعب الفيلم بدرجات الشدَّة الصوتيَّة بحرفيَّةٍ عالية، متنقِّلًا بين همساتٍ خافتةٍ في المشاهد الحميمة، وانفجاراتٍ صوتيَّةٍ قويَّةٍ في المقاطع الموسيقيَّة الكبرى. ويتجلَّى هذا بوضوح في الانتقال من همسات إيما وسيباستيان في «City of Stars»، إلى الامتداد الأوركسترالي المتصاعد في «Epilogue»، حيث يعلو الصوت تدريجيًّا حتى يبلغ ذروته العاطفيَّة. تنسجم الموسيقى هنا بشكلٍ مذهلٍ مع الفكرةِ الجوهريَّة للفيلم؛ فإلى جانب كونه قصَّةَ حبٍّ معقَّدةٍ ومؤثِّرة، يروي الفيلم أيضًا حكاية موسيقى الجاز نفسها. ولهذا تحضر الموسيقى بقوَّةٍ في العديد من المشاهد، فتغدو عنصرًا سرديًّا قائمًا بحدِّ ذاته، يثري الصورةَ ويعمِّق أثرها في الذاكرة السينمائيَّة.
على سبيل المثال، لا تُعدُّ موسيقى «Epilogue» مجرَّد خلفيَّةٍ صوتيَّةٍ تنسجمُ مع المشهد، بل تمثِّلُ عنصرًا محوريًّا قاد إلى لحظة اللقاء بين ميا وسيباستيان، كأنَّها شخصيَّةٌ ثالثةٌ تؤدي دورًا جوهريًا في تطوُّر السرد. إنَّها ليست مجرَّد لحن، بل صوتٌ يجمع بين عالميهما العاطفي والموسيقي، بالتالي تُصبح الأغنية التي تشاركاها عن غير قصد، والمفتاح الذي يلخِّص رحلتهما المشتركة، رحلةٌ مشحونةٌ بالتحدِّيات والتمنِّيات والمشاعر المتداخلة. وبهذا تجسِّد الموسيقى تداخل الحبِّ والفنِّ في حياتَيهما، حتى تغدو رمزًا للحلم الذي تحقَّق... ولكن بثمن.
يُعدُّ «لا لا لاند» نموذجًا رائدًا في توظيف الموسيقى كأداةٍ سرديَّةٍ فاعلة، لا كمجرَّد خلفيَّةٍ صوتيَّة. من خلال المزج المُتقن بين التراكيب الموسيقيَّة والبنية السينمائيَّة، نجح داميان شازيل في خلقِ تجربةٍ حسيَّةٍ متكاملة، حيث تغدو الموسيقى اللغة الأساسيَّة التي تسرد الحكاية، أبلغ من الحوار وأعمق من الصورة. بهذا الأسلوب يرتقي الفيلم إلى مصاف الأعمال الكلاسيكيَّة التي لا تترك أثرًا بصريًّا فحسب، بل تُخلِّف في الوجدان لحنًا طويل الأمد، يتردَّد صداه في الذاكرة كما لو أنَّه جزءٌ من حياة المُشاهد نفسه.