أفريقيا في «مهرجان البحر الأحمر» .. فرصةٌ سانحةٌ للقارة السمراء

December 17, 2025

إن مهرجانًا، بحجم ومكانة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي على وجه الخصوص، الذي يحمل في دورته الخامسة شعار «في حب السينما»، لهو منصة مهمة لتمرير الرسائل، ونقل الخبرات، وتجاوز الحدود، ومد جسور الحوار، والتواصل الوجداني عبر الصور وما تحمله من دلالاتٍ ومعانٍ ضمنية.

إنه شاشةٌ في صورة فضاءٍ حقيقي للفعل والتأثير، قد تبناها الرجال والنساء من مريدي الفن السابع منبرًا ليعبروا من خلالها عن رؤيتهم للعالم ومعتقداتهم وحياتهم، حتى في أكثر تجلياتها حميمية، وليصدَحوا من خلالها بأصواتهم المعبرة. وأفريقيا كانت حاضرة في هذا المشهد.

في خضم كونشرتو الصور هذا، حرصت الدول الأفريقية على الكشف عن هويتها البصرية، إذ اجتمعت أفلامٌ قادمة من أصقاعٍ شتى في رحاب قاعات السينما. جيبوتي، كينيا، جنوب أفريقيا، مصر، المغرب، السنغال... والقائمة تطول. غير أن الجوهر يُقرأ بشكلٍ أفضل في الخيارات والمقاربات الجمالية التي استند إليها مبدعو القارة.

من الوثائقي إلى الروائي، مرورًا بأفلام التحريك، توثق الكاميرا الوقائع بكل ما فيها من قسوة، في صورة مستساغة قابلة للتلقي إن صح القول. وتقدّم جيبوتي عبر فيلم «بارني» (Barni - 2025)، وهو ثاني فيلم روائي طويل في تاريخها بعد فيلم «الشباب» (2017 - Dhalinyaro) للمخرجة لولا علي إسماعيل، قصةً تذكر بمعاني الحب الأبوي، والتعلق بالأرض والانتماء إلى التقاليد. 

وفي المقابل، يلامس فيلم «تراك ماما»  (Truck Mama)، وهو وثائقي مدته 85 دقيقة يُعرض في قاعات السينما هذا العام، ويمثل جنوب أفريقيا والمملكة العربية السعودية، وكينيا على وجه الخصوص، ويتناول أحد الطابوهات المرتبطة بالنظرة الاختزالية التي يسقطها الرجال على النساء، ويثني في الوقت نفسه على ما يتمتع به النسوة من التزام وشجاعة أنثوية ليس في مقدور شيء إيقافها، ما دامت تستند إلى إرادة قادرة على زحزحة الحواجز التعسفية التي يفرضها المجتمع.

ولم يغفل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الذاكرة الأفريقية كذلك، إذ اختير للعرض فيلم «عايدة»، الذي صَدَر على الشاشات عام 1942 وساهمت مؤسسة المهرجان في ترميم نسخته، والذي يحملنا مجددًا للغوص في الحياة الفنية الاستثنائية لأيقونة الطرب في العالم العربي، "الديفا" أم كلثوم. وذلك عبر نغمات راسخة في الزمن لا يمكن لشيء اجتثاثها.

وغير بعيد، يأتي فيلم «نشيد الأمل» (1937) كما لو كان صدى للفيلم الأول، ليأخذنا في رحلة محملة بالمشاعر، مستحضرًا قصة حب ممنوع جمعت بين أم كلثوم نفسها وبين من يحمل عنوان الفيلم اسمه. وذلك ليظهر لنا أن "المحظور" - أيا كانت المجتمعات التي تمارسه - قديمٌ قدم العالم، تماما مثلما هي قوة الحب.

تلك القوة ذاتها التي استرجعها الروانديون من خلال التسامح ونبذ الكراهية،  وهو ما نجده في فيلم «كويبوكا، تذكر» (Kwibuka, Remember - 2025)، ونستشعِره من خلال الحوارات القوية للشخصيات، التي جاءت كانعكاس لرؤية مخرجه جوناس ديديسكي.

وفي قائمة الأفلام الأفريقية الحاضرة خلال الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، نجد أيضًا فيلم «صوت هند رجب» من تونس، و«غبار الحلم» (Dust to Dreams) من نيجيريا، و«نسالا» (Nsala) من جمهورية الكونغو الديمقراطية، و«أخونا» ( Our Brother) من كينيا، إلى جانب أفلام من مصر مثل «القصص» و«البحر يتذكّر اسمي».

وقد طبع هذه الدورة حضور المخرجة التونسية المعروفة كوثر بن هنية، وهو حضور يميل إلى أن يصبح تقليدًا، إذ لا تكتفي بتقديم رؤيتها الفنية فحسب، بل تشارك أيضًا خبرتها مع رواد المهرجان ضمن قسم «حوارات». وهي مخرجة صاحبة مسيرة طويلة قدمت خلالها العديد من الأفلام، أبرزها «بنات ألفة» (2020) و«الرجل الذي باع ظهره» (2023).

ويضاف إلى ذلك عروض "تقديم المشاريع" ضمن سوق المهرجان، والتي أتاحت للمواهب الشابة القادمة من خارج البلاد، بما في ذلك أفريقيا، عرض مشاريعها المختلفة والدفاع عنها، بما يمنحها فرصًا أكبر للتحقق بدعم من المنتجين والهيئات الحاضرة، التي تمنح جوائز مخصصة لمراحل التطوير أو الإنتاج أو ما بعد الإنتاج.

غير أن المشهد لم يقتصر فقط على الأفلام وصناعها من المخرجين والمخرجات، فقد شهد المهرجان حضور شخصيات أفريقية بارزة وصناع القرار من دول أفريقية، من أجل فتح وتوسيع آفاق التعاون بين السينمات العربية والأفريقية والآسيوية. ومن بينهم حضور الدكتور باكاري سار، كاتب الدولة السينغالي المكلف بالثقافة والصناعات الإبداعية والتراث التاريخي.

الهوامش:

اشترك في النشرة البريدية

احصل على أحدث المقالات والأخبار مباشرة في بريدك الإلكتروني
تم إضافتك ضمن النشرة البريدية, شكرًا لك!
نعتذر حدث خطأ, الرجاء المحاولة مرةً أخرى