لما تخلط برا اليوتيوب وش ممكن يصير؟
لا زلت أتذكر العصر الذهبي للمحتوى الكوميدي السعودي على منصة اليوتيوب، حيث رأيت أباطرة المحتوى ينتجون محتوى عربي مميز، ينافس على المستويين المحلي والعالمي. كان منهم من يجيد الكوميديا من خلال انتقاد المقاطع الغريبة مثل «ايش اللي» وأخر يتحدث عن بعض المشاكل في مجتمعنا بأسلوب كوميدي مثل « لا يكثر»، و«التاسعة إلا ربع» وغيره، بالإضافة إلى الكوميديا العشوائية مثل «التمساح» الذي كان أحد الشخصيات الجانبية في برنامج «لا يكثر»، ثم أصبح له برنامجه الخاص، ثم شاهدنا برنامج «خمبلة» الذي كان يقدم مشاهد قصيرة، تتمتع بقصص مكتوبة بشكل ممتاز وتصوير رائع.
الكل يتذكر خمبلة، وأشهر حلقاتها «مدرسة علوم المرجلة» التي قدمت الموسيقى الشهيرة «علومنا» ومنها بدأنا نرى مؤيد النفيعي يطلق مجموعة أغاني أحبها الجميع. لكن رجوعًا لموضوعنا عن خمبلة فكان المحتوى المحلي هو المتميز فيها، حيث يقدم قصة تتراوح مدتها من دقيقة إلى 8 دقائق، وهنالك حالات خاصة نرى بعض الحلقات مدتها تتراوح بين 12 دقيقة أو 17 دقيقة تقريبًا. ما يميزها حقًا كانت طريقة الكتابة الطريفة المناسبة لثقافتنا، وأيضاً طريقة الإخراج المميزة.
ومن بعد خمبلة وإستكمالاً للسرد التاريخي للعصر الذهبي، قامت تلفاز 11 بإطلاق سلسلة جديدة بعنوان «الخلاط»، مجموعة قصص قصيرة في فيديو واحد، تتراوح مدته تقريبًا بين 20 دقيقة إلى 30 دقيقة، وأولى حلقاته كانت في 2017.
ما ميّز الحلقات إنها ليست قصة واحدة، بل مجموعة من القصص تمتد لثلاثين دقيقة من المتعة والضحك، وتميز ايضًا المستوى الكتابي، بحيث من السهل معرفة هوية ولمسة تلفاز 11 من النظرة الأولى.
وبعد انقطاع «الخلاط» فترة عن اليوتيوب وفي سنة 2022، نرى العودة مجددًا بمسمى «الخلاط +» والذي توفر على منصة نتفليكس حصريًا بتاريخ 19 يناير والذي أيضًا يصاحب فلم «الهامور ح.ع» في صالات السينما. لكن على أي حال صدور «الخلاط+» على منصة نتفليكس سيمكنه من الوصول إلى أكبر عدد من الناس، بخلاف أي منصة اخرى، لذلك لا أتوقع بأننا سنرى عليه زحامًا إعلاميًا في حال صدوره على منصة أخرى غير نتفليكس.
اعتذر عن المقدمة الطويلة الشغوفة، لكن لا نستطيع التحدث عن «الخلاط بلس» مباشرة دون التحدث عن العصر الذهبي، والآن أود التحدث بشكل أكثر تفصيلًا.
القصة الأول: الزواج
ملخص القصة (كما هو مكتوب في نتفليكس):
في ليلة عرس وقبل سفر العائلة، تتعرض سيارتهم للسرقة من قِبل ثلاثة أشخاص لتبدأ المطاردة بينهم.
من بداية المشهد: ترى إخراج فهد العماري يعيشك أجواء تجهيزات الزواج بطريقة ممتازة، هذه الطريقة المعروفة بإسم "One Shot" أو اللقطة المتواصلة دون انقطاع، كانت جميلة فعلًا، لذلك كانت المُشاهدة مُمتعة بصريًا، لكن على مستوى الكتابة كانت تشبه جودة «الخلاط» سابقًا، لذلك ليس بوسع المرء الاستياء، حيث نرى أن الحوارات العائلية هي النقطة المضيئة في هذه القصة، وحكايات مثل الولد الذي يود تدخين سيجارته في أقرب وقت، وشخصية الأب بالقالب النمطي الذي شاهدناه الآف المرات.
تمثيل صهيب قدس المضحك كان جيدًا، لكن لم يك على نفس القدر الذي تعودنا عليه من شخصياته السابقة، سواء في فيلم «شمس المعارف» أو من مشاهد «خمبلة» في دور المعلم، الذي يُصاحبه إسماعيل الحسن ويشكلان ثنائيًا مضحكًا أمام مشكلة إنقاذ صاحبهم فهد البيتري، والذي كان عكسهما فهو أذكى منهم، لكن هو من وقع في الفخ.
الذي يضعف القصة هو المبالغات في شخصية صهيب، خاصة في محاولاته التكلّفية للاندماج في الزواج، وكذلك أداء حسن إسماعيل في مشهد "اعتذر لي" مع فهد البيتري الذي بدا مفتعلًا أكثر من اللازم. ومع ذلك، استطاع أن يوازن هذا الضعف بمحاولته تقمّص شخصية المحامي أمام الضباط، حيث جاء حضور خالد عبد العزيز –أحد الضباط– موفقًا ومناسبًا للدور. أمّا النهاية، فلم تحمل عنصر المفاجأة، إذ يمكن التنبؤ بها منذ البداية، كما أن الرحلة السردية التي تقود إليها لم تكن ممتعة بالقدر الكافي. تبقى الإشكالية الأكبر في أساس القصة نفسها، إذ بُنيت على سببٍ مفتعل لم يكن مقنعًا أو ممتعًا بما يكفي.
القصة الثانية: العشاء الأخير
ملخص القصة: سارة الخمبولي طاهية تعمل في مطعم فاخر ، تضع سمعة المطعم على المحك بسبب موقف تحاول إنقاذه.
الحقيقة أن هذه القصة كانت الأضعف على الإطلاق، فبينما كنت أشاهدها لم أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن إحباطي، لكنني شعرت بوضوح أن الإخراج والتصوير لم يلتقطا جوهر الحكاية بالطريقة الصحيحة. وعندما سألت بعض المختصين في الإنتاج والتصوير، وجدت لديهم توصيفًا أدق: أسلوب التصوير بدا وكأنه إعلان تجاري لمنتج أو تطبيق، لا تصوير عمل درامي متكامل.
منذ اللحظة الأولى وحتى النهاية سيطر الملل على المشاهدة. كنت أتوقع الكثير من ممثل موهوب مثل الدوخي، لكن ما قُدِّم له كان شخصية سطحية لا تختلف كثيرًا عن النماذج المستهلكة التي اعتدنا رؤيتها في مسلسلات رمضان الرديئة. أما شخصية سارة الخمبولي، التي كان من المفترض أن تستثير التعاطف بمحاولتها إنقاذ زواج والديها، فقد جاءت باهتة، بلا أثر يُذكر. والأسوأ كان دور الطباخ، إذ حاول تجسيد شخصية غاضبة على نحو كوميدي، لكن وجوده لم يضف شيئًا، بل ساهم في إضعاف القصة أكثر.
الجانب المضيء الوحيد تقريبًا كان مدير المطعم، الذي قدّم أداءً واقعيًا مقنعًا، أقرب إلى ما يمكن أن تراه فعلًا في مطاعم فاخرة بالسعودية. لكن خارج هذا، لم يكن هناك أثر للكوميديا، ولا مساحة للتعاطف مع أي شخصية، حتى نائب المدير الذي أدّاه عبد الله القفاري، والذي حاول يائسًا إصلاح زحمة المشكلات دون جدوى. وصلت بي الحال إلى التنهّد بعمق والتمني أن تنتهي القصة سريعًا، إذ لم يكن هناك ما يشدّ المشاهد للبقاء معها حتى النهاية.
القصة الثالثة: مغسلة الموتى
ملخص القصة: صديق يعود إلى المشرحة لمحاولة دفن سر خطير قد يؤدي إلى أحداث جسيمة
برأيي، تُعد القصة الثالثة الأفضل بين القصص، إذ تبدأ بطرح سر غامض سرعان ما نرى الشخصية الرئيسية تكتشفه، لتنشأ لعبة من الإخفاء والمطاردة بينه وبين الشخصية الأخرى. هنا تنطلق سلسلة من الأحداث المليئة بالتوتر والإثارة، تجعلك على حافة الكرسي مترقبًا. يعود ذلك إلى تمازج عناصر المونتاج مع الموسيقى والمؤثرات الصوتية، التي رفعت منسوب القلق، إضافة إلى الطابع الإخراجي الذي اعتمد على ألوان قاتمة عززت الجو الظلامي للقصة. ومن أبرز المشاهد التي بقيت عالقة في الذهن مشهد سيارة نقل الموتى المسرعة في سباقها مع الزمن، وقد نُفذ بإتقان بصري لافت.
مع ذلك، ورغم أنني توقعت أن تميل النهاية إلى الطابع الكوميدي وكأنها مجرد خدعة (مقلب)، إلا أن مسارها اتجه إلى الوضوح والصراحة. غير أن الإغلاق النهائي ينقصه شيء ما، لم أستطع تحديده بدقة، وكأن هناك حلقة مفقودة تمنع اكتمال الأثر. السلبية الأبرز كانت في تفاصيل السر نفسه، وطريقة وصول الشخصية الثانية إليه، الأمر الذي جعل البناء السردي أقل قوة مما كان يمكن أن يكون.
ورغم هذه الملاحظات، يبقى الأداء التمثيلي نقطة مضيئة؛ فقد قدّم إبراهيم الحجاج شخصية مرهقة من يوم طويل، يعيش تحت ثقل السر ويحاول إخفاءه بجُهد صادق، وكأن الدور صُمم خصيصًا له. وعلى الجانب الآخر، أظهرت صحارى حضورًا مؤثرًا في سعيها الدؤوب لمعرفة السر، وقدرتها على تجسيد مشاعر الفقد والحزن على من رحل، مما أضفى على القصة عمقًا إنسانيًا يوازي إثارتها.
بعد حالة المتعة التي منحتها القصة الثالثة، تأتي القصة الرابعة كصفعة محبطة، إذ تنحدر إلى مستوى كوميديا عادية ومكررة، بعيدة كل البعد عن تلك الروح الطازجة التي اعتدناها من *الخلاط* وأعماله السابقة. ما يزيد الطين بلة هو تراجع جودة التصوير والإخراج البصري، حتى بدت اللقطات أقرب إلى إعلان ترويجي لفندق ومزاياه، خصوصًا مع الاستعانة بأحد مشاهير *سناب شات* ضمن طاقم التمثيل، الأمر الذي أفقد المشاهد الإحساس بالجدية.
الجانب المشرق الوحيد كان في أداء عبد العزيز الشهري، المعروف بخفة ظله وكوميديته الفطرية، حيث حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بموهبته. لكن النص المكتوب لم يمنحه أي مساحة حقيقية للتألق، فجاءت القصة وكأنها إعادة إنتاج لقوالب قديمة جدًا. لم يكن الأمر أشبه باستدعاء الماضي بشكل إبداعي أو حكاية تستلهم حقبة سابقة، بل بدا كعودة غير مبررة إلى أسلوب «طاش ما طاش» في أوائل الألفية، لكن على منصة نتفليكس.
في المقابل، ما ميّز «الخلاط» الأصلي هو إيقاعه السريع وكتابته الذكية التي تعكس وعيًا سينمائيًا ناتجًا عن مشاهدة وتجارب أعمق، بينما القصة الرابعة وقعت في فخ الكسل والسطحية. النكات متكررة وباهتة، تكاد تشبه ما يمكن أن يُطرح في جلسة عصف ذهني شبابية عابرة: جُمل قديمة من نوعية « قل أربعة، سيارة أبوك مقربعة»، بلا أي ابتكار أو تحديث. صحيح أن هناك محاولة لإضفاء لمسة معاصرة عبر شخصية زياد العمري، الشاب المتعلق بمتابعة أحد المشاهير على سناب شات، لكن هذه اللمسة لم تُسعف القصة، وجاءت الخاتمة باهتة وغير مُرضية.
نهاية الخلاط: كيف كانت نكهة العصير؟
بعد خلّط أربع قصص لمدة تصل قرابة الساعتين، خرجت غير راضي تمامًا، وحزنت على كمية الفرص الذهبية المُهدرة على مستوى الإخراج والمظهر البصري والتمثيل والأهم الكتابة.
فإذا كنت من متابعين الخلاط، ربما ينال إعجابك لأن بالنهاية الأمر يعتمد على ذائقة كل شخص.
التقييم النهائي:
5/10