وسط مشهدٍ سينمائيٍّ سعوديٍّ يتشكَّل بثبات، يظهرُ فيلم «فخر السويدي» كمحاولةٍ مختلفةٍ لاقتناصِ الضحك من تفاصيل الحياة اليوميَّة.
تدور أحداث الفيلم داخل مدرسةٍ أهليَّةٍ بالرياض، حيث يحاولُ مدير المدرسة أن يتركَ أثرًا خاصًا عبر تأسيس فصلٍ دراسيٍّ "شرعيٍّّ" بطريقته العفوية، مما يقوده إلى سلسلةٍ من المواقف الطريفة والصراعات الإداريَّة.
الفيلم من تأليف يزيد الموسى، وإخراجٍ مشتركٍ بين هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح، الذين راهنوا على كوميديا الموقف، وعلى شخصيَّاتٍ تنمو وتتغيَّر، بدلًا من الاكتفاء بمشاهدَ عابرة للإضحاك.
وقد عُرض الفيلم في الدورة الحادية عشرة من «مهرجان أفلام السعودية»، حيث نال تفاعلًا جماهيريًا لافتًا، وسط إشاداتٍ نقديَّةٍ بميله إلى تأسيس "نبرةٍ محليَّةٍ" في الكوميديا السعوديَّة الجديدة.
في هذا الحوار الخاص مع مؤلِّف الفيلم يزيد الموسى، وأحد مخرجيه ومنتجه أسامة صالح، والذي نجريه على هامش أحد أبرز محافلِ السينما العربيَّة، نتحدَّث عن تحدِّيات كتابة الكوميديا، وصناعة فيلمٍ بثلاثةِ مخرجين، ورهان الوجوه الجديدة، ومستقبل السينما السعوديَّة بين الحلم والواقع.
عن البدايات والإلهام
س: «فخر السويدي» يتناول قصَّة مدرسةٍ وفصل شرعيٍّ غير تقليدي.. ما الذي ألهمك لكتابةِ هذه الحكاية؟ وهل هي مستوحاةٌ من تجاربَ شخصيَّة؟
يزيد الموسى: بدأت فكرة الفيلم حين كنت طالبًا في المرحلة الثانويَّة، وتحديدًا ضمن المسار الشرعي. آنذاك راودني شعورٌ بأنَّ البيئة التي نعيشها في المدرسة كانت فريدةً وغير اعتيادية، تحمل في طيَّاتها قصصًا ترتبط بالكثير من الناس. تلكَ الذكريات كانت الدافع الأول لكتابة الشخصيَّات وبناء القصَّة. مرَّ النص بمراحلَ عديدةٍ وعُرِض على عشرات الأشخاص إلى أن وصلَ إلى المنتِج والمخرج أسامة صالح، الذي آمن بالفكرة وأسهم في إيصالها إلى الشاشة.
س: لماذا وقع الاختيار على حي "السويدي" ومدرسةٍ بوصفها مسرحًا للأحداث؟
يزيد الموسى: السويدي هو الحي الذي نشأتُ فيه. حيٌّ بسيطٌ لكنَّه زاخرٌ بالمواهبِ والقصص التي تستحقُّ أن تُروى. كنتُ أطمحُ إلى تقديمِ عملٍ يحتفي بانتمائي لهذا المكان، وكانت المدرسة خيارًا منطقيًا لأنَّ الكثير من ملامح الطفولة والهويَّة تتشكَّل هناك.
كتابة الكوميديا: التحديات والمقاربات
س: هل ترى أن النص هو قوام الفيلم الكوميدي في السعودية، أم أن الكاريزما الفردية للممثلين هي التي تقود المشهد عادةً؟
يزيد الموسى: أرى أنَّ الكاريزما أو خفَّة دمِ الممثِّل قد تخلقُ لحظات مضحكة هنا وهناك، لكنها وحدها لا تصنع فيلمًا ناجحًا أو عملًا يبقى في ذاكرة الجمهور. فالقصَّة المتماسكة، والشخصيَّات المصمَّمة بعناية، هي العمودُ الفقريُّ لأيِّ فيلمٍ كوميديٍّ حقيقي. من دون نصٍّ قوي، يبقى الضحك مجرَّد ومضاتٍ عابرةٍ سرعان ما تُنسى.
س: ما التحدِّي الأكبر في كتابة كوميديا تستند إلى المواقف الواقعيَّة بدلًا من النكات المباشرة؟
يزيد الموسى: التحدَّي الأكبر في الكوميديا هو أنَّها بطبيعتها حسَّاسة ومزاجيَّة، وما يُضحك شخصًا قد لا يُضحِك آخر. في «فخر السويدي»، استعنا بفريقِ كتابةٍ مميَّزٍ ساهم في إثراء القصة بالكثير من اللحظات الكوميدية والدراميَّة بطريقةٍ تنبعُ من الموقف نفسه، لا من نكاتٍ جاهزة.
س: مع كثرة الأعمال التلفزيونيَّة الكوميديَّة، هل كان لديكم تصوُّرٌ مختلفٌ لكوميديا سينمائيَّة؟
يزيد الموسى: منذ البداية كنَّا ندركُ أنَّنا نرغبُ في تقديمِ كوميديا تشبه الحياة اليوميَّة، وتعتمدُ على مواقف يعيشها الجميع، لكن بتناولٍ ذكيٍّ يفاجئُ المشاهد. حرصنا على الابتعاد عن الكوميديا السهلة القائمة على الارتجال أو النكات السريعة، وسعينا لصناعةِ عملٍ يقدِّم الضحك بروحٍ أكثر صدقًا وعُمقًا.
بناء الشخصيات وعالم الفيلم
س: يضمُّ الفيلم شخصيَّاتٍ عديدة، ولكلِّ شخصيَّةٍ نغمتها الخاصة. كيف نجحتم في الحفاظ على هذا التنوُّع؟
يزيد الموسى: حرصنا على أن تكونَ لكلِّ شخصيَّةٍ رحلتها الخاصَّة، تتغيَّر وتتطوَّر على امتداد الفيلم. هذا الاهتمام بتطوُّر الشخصيَّات منح كلَّ واحدةٍ منها مساحةً مستقلَّةً تتيحُ لها أن تترك أثرَها الخاص. وبعد العروض، سعدنا بملاحظةِ أنَّ كلَّ مُشاهدٍ كانت له "شخصيَّةٌ مفضَّلةٌ" مختلفة، وهو أمرٌ نعتزُّ به كثيرًا.
الإخراج بثلاثة أصوات
س: ما الذي تطلَّبه إخراج فيلمٍ بثلاثةِ مخرجين؟ كيف قُسِّمت الأدوار بينكم دون أن يضيع صوت الفيلم؟
أسامة صالح: منذ البداية اتَّفقنا على رؤيةٍ فنيَّةٍ موحَّدةٍ للنص، وعلى حسٍّ دراميٍّ وكوميديٍّ مشتركٍ نلتزم به جميعنا. اتَّفقنا كذلك على شكلِ البيئة، والرؤية البصريَّة واللغة السينمائيَّة. بعد ذلك قسَّمنا الفصول بيننا، بحيث تولَّى كلُّ مخرجٍ إخراج فصولٍ معيَّنةٍ باستقلاليَّة، مع الإبقاء على روح التعاون خلال عملية التحضير والمونتاج. هذه الطريقة مكَّنت كلَّ واحدٍ منا من وضعِ بصمته، دون أن تُفقِد القصَّة انسجامها وتناغمها.
س: كيف تصفُ أسلوب الإخراج الذي اتبعتموه؟ وهل كانت هناك مرجعيَّاتٌ بصريَّةٌ أو سينمائيَّةٌ معيَّنةٌ ألهمتكم؟
أسامة صالح: شخصيًا أؤمن أنَّ مهمَّة الإخراج الأساسيَّة هي توجيه انتباه المشاهد إلى ما نريد أن يُقال من خلال كلُّ مشهد. ومن هذا المنطلقِ لم نلتزم بمرجعيَّة واحدة، بل اعتمدنا على حسِّ اللحظة، على خلقِ الإيقاع المناسب لكلِّ مشهد وتحقيقه: متى نصمت، متى نقترب بالكاميرا، ومتى نمنحُ المشهد وقته الطبيعي دون استعجال. كانت القائمة التخطيطيَّة مرنةً بما يكفي، وفتحنا المجال للارتجال حين يخدم الفكرة.
الكوميديا السعوديَّة: بحثٌ عن نبرةٍ وهُويَّة
س: تقومُ الكوميديا في الفيلم على الموقف، لا على الأداء الفرديِّ أو النكات المباشرة. هل كان هذا التوجه مقصودًا من البداية؟
أسامة صالح: بالتأكيد. منذ البداية كان شعارنا واضحًا: النصُّ هو الملك. ننطلقُ من القصَّة والشخصيَّات، ثمَّ نبحثُ عن ممثِّلين قادرين على تجسيدها بعمقٍ وصدق، لا مجرَّد البحث عن نجمٍ له حضوره الجماهيري. الكوميديا عندنا نابعةٌ من الموقف لا من إلقاء النكات، وهذه هي الروح التي حرصنا على الحفاظ عليها.
س: هل تعتقد أنَّ الفيلم قدَّم "نبرةً سعوديَّةً" خاصَّةً للكوميديا؟ أم أنَّ السينما السعوديَّة ما زالت تبحثُ عن ثيمتِها؟
أسامة صالح: أؤمنُ أنَّ «فخر السويدي» قدَّم نبرةً كوميديَّةً تعبِّرُ عنَّا نحن السعوديين وتشبهنا. هذه الروح موجودةٌ في حياتِنا اليوميَّة: خفة الدم غير المُفتعلة، السخرية الناعمة من المواقف، والحسُّ العفوي. ربَّما كنَّا فقط بحاجةٍ لصياغتها سينمائيًا كما حاولنا هنا.
الإنتاج والرهان على السوق
س: برأيك، متى تنضجُ السينما السعودية كصناعةٍ تجاريَّةٍ قادرةٍ على الاستدامة والمنافسة؟
أسامة صالح: أعتقدُ أنَّنا نسيرُ في الطريق الصحيح. هناكَ اهتمامٌ متزايد، رؤوسُ أموالٍ بدأت تلتفتُ إلى هذه الصناعة، وشبابٌ موهوبون يتعلَّمون بسرعةٍ ويخوضون التجربة بشغف. ما نحتاجه الآن هو المزيدُ من التجارب، الناجحة والفاشلة، كي تكتسبَ الصناعةُ جلدَها الحقيقي.
س: الإنتاج في السعوديَّة يمر بمرحلةٍ حسَّاسة. هل ترى أن هناك بيئةٌ ناضجةٌ اليوم لدعمِ الأفلام الكوميديَّة؟
أسامة صالح: بصورةٍ عامَّة، نعم، لأنَّ الجمهور السعودي متقبِّلٌ للكوميديا بطبعه، لكنَّ الأهم هو أنَّ السوق بدأ ينفتحُ على أنواعٍ جديدةٍ من الكوميديا ويشجِّع التجريب. النجاح الذي حقَّقته بعض الأفلام مؤخرًا في شبَّاك التذاكر دليلٌ على أنَّ السوق مستعدٌّ للمغامرة إذا كانت القصَّةُ صادقةً ومختلفة.
س: هل كان لديكم هاجسٌ تجاريٌّ أثناء تنفيذ «فخر السويدي»؟ وهل تراهنون على نجاحه في شبَّاك التذاكر؟
أسامة صالح: طبعًا، فالنجاح التجاري جزءٌ مهمٌّ لأيِّ مشروعٍ سينمائي، وذلك لأنَّه يضمن الاستمراريَّة. إلَّا أنَّنا حافظنا على التوازن: لم نُساوم على الرؤية الفنيَّة لصالحِ أيِّ حساباتٍ تجاريَّة، بل عمِلنا على تقديم عملٍ فنيٍّ محترم، وفي الوقت نفسه قادر على الوصولِ للجمهور الواسع.
س: كيف توازِنون بين الطموح الفنيِّ ومتطلَّبات السوق التجاريَّة؟
أسامة صالح: كلُّ شيءٍ يبدأ من النص: نصٌّ أصيلٌ وجذاب، ومن ثمَّ تأتي الرؤية الإخراجيَّة المدروسة، وبعدها إنتاجٌ ذكيٌّ يحافظ على الجودة دون إسراف. كلُّ مرحلةٍ مترابطةٍ بالأخرى. لا يمكن أن تعوَّضَ رؤيةٌ فنيَّةٌ ضعيفةٌ بميزانيَّةٍ كبيرة، ولا نصٌّ ضعيفٌّ بإخراجٍ متقن. النجاح الحقيقي هو توازنُ كلَّ هذه العناصر مع بعضها بعضًا.
طاقم التمثيل ورهان الوجوه الجديدة
س: معظمُ أبطال الفيلم من وجوهٍ جديدة. لماذا اخترتم خوضَ هذه المغامرة؟
أسامة صالح: راهنَّا على الموهبة والشغف. كان من المهمِّ اختيار ممثِّلين قادرين على عيشِ الشخصيَّات، لا مجرد ترديدِ الحوارات. والحمد لله، تبدو هذه الرهانات ناجحةً إلى الآن.
س: كيف تمَّ اختيار فهد المطيري لدور "شاهين دبكة"؟ هل كُتِبت هذه الشخصيَة له منذ البداية؟
أسامة صالح: الشخصيَّة لم تكتب لأيِّ ممثِّلٍ بعينه، ولكن حين بدأنا التفكير في الأسماء، تذَّكرنا أداء فهد المطيري في بعض أعماله القصيرة والإعلانيَّة، وشعرنا أنَّ لديه تلك الروح التي نبحثُ عنها. وبعد جلسةٍ واحدةٍ من القراءة والنقاش، أدركنا جميعًا أنَّه "شاهين" الذي كنَّا نبحث عنه.
الجمهور والدعم المؤسَّسي
س: هل ترى أنَّ الدعم المؤسَّسي مثل دعمِ هيئة الأفلام، ومهرجاناتٍ على غرار مهرجان أفلام السعودية، قد أحدث فرقًا حقيقيًا؟
أسامة صالح: بكلِّ تأكيد. لم يعد الدعم مجرَّد تمويل، بل يشملُ أيضًا توفير البنية التحتيَّة، التسهيلات والتدريب، وفرص عرضٍ محليَّةٍ وعالميَّة. لقد كانت هيئة الأفلام ومهرجان أفلام السعوديَّة سندًا مهمًا لنا ولغيرنا من الصنَّاع المستقلِّين، ودورهما واضحٌ في تحريكِ عجلةِ الصناعة نحو المستقبل.
س: كيف استقبل الجمهور الفيلم في العروض الأولى؟ هل فاجأتْكم بعض الانطباعات؟
أسامة صالح: الاستقبال كان مبهجًا جدًا، حيثُ امتلأت القاعات بالضحكات والتصفيق. كما لاحظنا أنَّ التفاعل لم يقتصر على الشباب فقط، بل شمل كل الفئات العمرية. كان من الجميلِ مشاهدة قصَّتنا تصل إلى هذا الطيف الواسع من الناس.
س: هل هناك ردودُ فعلٍ بعينها أشعرتكم أنَّ «فخر السويدي» أصاب هدفه الحقيقي؟
أسامة صالح: لحظة خروج الجمهور بعد العروض، وهم يضحكون ويتحدَّثون بحماسٍ عن الشخصيَّات والمواقف، كانت أبلغَ من أيِّ تعبير. فشعورُ المشاركة في صناعةِ عملٍ يترك أثرًا طيبًا في النفوس لا يعادله شيء.
المستقبل: أحلام وأفلام قادمة
س: هل ترون أنَّ «فخر السويدي» يمهِّدُ لموجةٍ جديدة من الكوميديا السعودية؟ وهل تخطِّطون لأعمالٍ مشابهةٍ مستقبلًا؟
يزيد الموسى: هذا العمل يمثِّل طريقتنا في رؤية الكوميديا: كوميديا نابعةٌ من واقعِ الناس، ذكيةٌ وقريبةٌ من القلب. نطمح إلى الإستمرار بهذا الاتجاه، وإلى أن نكون جزءًا من صناعةٍ كوميديَّةٍ سعوديَّةٍ حديثةٍ تحترم ذكاء الجمهور وتخاطب وجدانه.
أسامة صالح: نطمح إلى تقديم المزيد من الأعمال التي تشبه «فخر السويدي» بروحها وصدقها. الكوميديا السعوديَّة تستحقُ أن تأخذ مكانتها الطبيعيَّة في السينما، ونؤمن أنَّ المستقبلَ يحمل فرصًا كبيرة، طالما استمرينا في صناعة الأفلام بشغف، وفي الرهان على النصوص الذكيَّة والوجوه الجديدة.