«جين ديلمان» تفاصيلٌ دقيقة مع إحساسٌ بالهلاكِ الوشيك!

December 2, 2022

وصفه الناقد لويس ماركوريليس عند صدوره بأنه: «أوّل تحفة نسائية في تاريخ السينما»، إنه فيلم Jeanne Dielman, 23 quai du Commerce, 1080 Bruxelles لمخرجته -البلجيكية الفرنسية- شانتال أكرمان.

إنه عملٌ فريدٌ في تاريخ السينما، والذي يعرض شريحة من الحياة تصوّر يوميات ربة منزلٍ وحيدة. وهو تأكيد على أن الأفلام الرائعة يمكن لها أن تغمرنا في حياةِ إنسانٍ آخر، وغالبًا ما تأخذنا في جولة مثيرة لوجودٍ مليء بالأحداث. 

هنا نراقب بهدوء -ما هو في معظم اللحظات- الروتين اليوميّ والحياة العادية لأية أرملة عزباء، حيث يجذب انتباهنا مع ما يقارب الثلاث ساعات ونصف من الترقب وانتظار «اللاشيء» تقريبًا. فالطبيعة غير الاستثنائية لكل شيء يحدث، تجعل من السهل جدًا استيعاب وتنبؤ عددٍ لا يحصى من التفاصيل الأخرى. قد يكون عالمها صغيرًا ولكنها تتحكم فيه تمامًا، قد نسمع أحيانًا شخصيات في الخلفية تتحدث أو حتى تشكوا مباشرةً إليها، ولكنها تظل منفصلة عن نفسها وتطفو فوق مشاكلهم، عندما يتحدثون فإنها لا تشارك في حواراتهم أكثر مما تريد.

في تحفة أكرمان هذه نادرًا ما تتحرك الكاميرا، هي منخفضة وثابتة وأحيانًا أبعادها لا تغطّي كل ما نريد أن نشاهده، بينما نشاهد «جين» وهي تدخل الإطار وتخرج منه بحرّيةٍ كاملة، وتحتلّ عالمًا أكبر مما تتضمنه رؤيتنا، هي لا تخضع لنفس القيود التي نحن عليها، ولكن هل هذا يعني أنها ليست مقيدة هي الأخرى؟ تنشأ القيود المفروضة علينا كمشاهدين من خلال الانطباع العام، بأنّ هناك جوانب من عالم الفيلم تخرج عن أنظارنا، وكيف نرى أجزاءً منها ليست كاملة، بينما تعطينا «جين» شعورًا بأنّ عالمها يمتد إلى ما وراء الإطار. الكاميرا لا تتبعها غالبًا؛ لأنها لا تزال قائمة في روتينها اليوميّ، ولا تتبعها عادةً إلا عندما يتعلق المشهد بظهور إحدى الشخصيات الأخرى، وكأن الكاميرا لا تُظهر حقيقة أن «جين» والمشاهدين مقيدون بطريقةٍ ما، بدلًا من ذلك تُظهر أن كلاهما مقيد بحقيقة أن -ربما- لا شيء من الأشياء الأخرى يستحق المبالاة. ‏لا يمكننا أن نعرف ما تفكر به «جين»، ولكن يمكننا أن ندرك أنها وقعت في موقف تتعارض فيه سُبل عيشها مع ما تريده، وكيف أنها تحاول إخماد براكينٍ مشتعلة بداخلها عن طريق الرتابة والروتين الممل لحياتها، غير مدركة أن مثل هذه المشاكل لها عواقب حقيقية، وأنّ تعقيداتها تمثل عقبة أمام حلّها، عقبة قد لا يستطيع المرء تخطيها أبدًا، فهي نتاج لسنوات من العزلة وقتل الشغف تجاه الأشياء، هي معضلة لا بد أن تؤخذ على محمل الجد. 

‏ربما يجب القول أن فيلمًا بهذا الطول والتقشف ليس للجميع؛ لن يكون الفيلم الأول الذي أوصي به شخصًا ما، على الرغم من أنه يمكن الوصول إليه وفهمه أسهل من أعمال أكرمان الأخرى؛ ولكن أي شخص يعتقد أن مثل هذه الأفلام مناسبة له عليه أن يجعلهُ أولوية، إذ قد يبدو فيلم أكرمان بسيطًا، لكنه يشمل العالم بأسره. سواءً تم النظر إليها على أنها دراسة شخصية صارمة، أو كواحدة من أكثر صور السينما مُنوِّمة وكاملة للمكان والزمان، فإن «جان ديلمان» هي تجربة مذهلة ومقنعة، تم تحليلها ومناقشتها وعلى مدى الكثير من العقود. 

الهوامش:

اشترك في النشرة البريدية

احصل على أحدث المقالات والأخبار مباشرة في بريدك الإلكتروني
تم إضافتك ضمن النشرة البريدية, شكرًا لك!
نعتذر حدث خطأ, الرجاء المحاولة مرةً أخرى