منذ صدور المسلسل، من الموسم الأول إلى الموسم الثاني، والابتسامة لا تغادر ملامحي .
في اليوم الأول من شهر نوفمبر لسنة 2019، أُطلقت منصة Apple TV+، والتي تشابه المنصات الأخرى مثل Netflix وشاهد و Disney+ وغيرها. مع إطلاق المنصة صاحبها عدة مسلسلات مثل«البرنامج الصباحي» (...-2019 - The Morning Show) و مسلسل «أنظر» (2022-2019 See) وأتذكر برنامج (Opera) التي تقابل بعض كتّاب الكتب وتحاورهم عن أحدث إصدارتهم بشكل تفصيلي.
على أي حال، ينظر البعض للمنصة بنظرة استخفاف بسبب عدم نجاح أعمالها بالصعود إلى تلك القمة ووضع علمَها بكل فخر. لكن في تاريخ 14 أغسطس 2020 صدر مسلسل «تيد لاسو» ( Ted Lasso) على المنصة بثلاث حلقات، وبدأت أرى تلك الضجة البسيطة بأن المسلسل يتميز بأنه مريح للمشاهدة ولا تحتاج ذلك التركيز لرؤية أدق التفاصيل، لأنك ستراها بين الأصحاب وحديث البعض في وسائل التواصل الاجتماعي بأنه مسلسل خفيف وظريف.
ثم في 21 يوليو 2021 صدر الموسم الثاني من المسلسل ولم تكن تلك الضجة البسيطة مثل الموسم الأول، بل كانت تلك الضجة التي وصلت إلى تلك القمة، إذ أننا في 2021 و 2022 رأينا العديد من ترشيحات الجوائز التي وصلت إليها بسبب الموسم الثاني، كنت أتساءل عن مجموع الترشيحات و الجوائز وكم فاز بها من ضمن هذه الترشيحات، فكان الإجمالي 127 ترشيحاً والتي فاز بها 34. والموضوع لم يتوقف هنا فحسب، بل آبل بنفسها في مؤتمراتها الخاصة بإعلاناتها أصبحت تستخدم المسلسل كأداة تسويق قوية وتلقي الضوء على عدد الجوائز التي فاز بها أو رشّح إليها.
حصلت منصة آبل تي أيضًا على ضجة أكبر مع فلم «كودا» (CODA 2021) ووصوله للأوسكار ،ولا ننسى مسلسل الغموض «إنقطاع» (...- 2022 Severance).
نغلق كتيب الترشيحات الآن، ونتحدث عن تيد لاسو والرحلة العميقة التي تؤخذ على الجانب الشخصي، لكن قبلها يجب أن نتعرف جيدًا على شخصيتنا المحبوبة، والجدير بالذكر بأننا سنراها مجددًا في الموسم الثالث الذي سيعرض في يوم 15 مارس لعام 2023 على منصة آبل تي في بلس.
بداية الرحلة: مدرب كرة قدم أمريكية يتحوّل إلى كرة القدم الأخرى؟
في الموسم الأول نرى المدرب تيد ومساعده ذو الاسم الغريب "Coach Beard" ينتقلون من أمريكا إلى لندن لتدريب نادي عريق تحت مسمى AFC Richmond في الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث إن النادي يعاني من خسائر متتالية، على هذا الجانب نرى المدرب الجديد ومساعده لا يفقهون أي شيء عن هذا القطاع الرياضي بالتحديد والذي سيعملون عليه، وأول تساؤل يأتي ببالك إذا كان النادي يعاني من خسائر كثيرة فلماذا يجلبون مدرباً جديداً تماماً عن هذا القطاع؟ ويعود السبب إلى أن مالكة النادي بكل اختصار تود الانتقام من زوجها السابق عبر إسقاط النادي وإغلاقه تماماً.
وتبدأ القصة بالتوسع بطريقة بسيطة وجميلة، حيث إن المدرب ومساعده سيقابلون Nate، والذي كانت مهمته تنظيف النادي والعناية باحتياجات اللاعبين فقط. وهنا يُصدم بتعامل تيد اللطيف ومحاولاته في تمكين الفريق خلال الموسم الأول، ولم تكن هذه الشخصية الوحيدة التي تلقت الصدمة، بل رئيسة النادي كذلك والتي كانت تسعى وراء الانتقام، تدفعها مشاعر الكراهية العالية إلى معاملة تيد بشكل غير لائق، حيث تختصر الحوارات وتغلقها بسرعة. نص الاتفاق وراء الكواليس مع المصور على وضع تيد في مصيبة. لكن كيف تعامل تيد مع هذه المواقف؟
منذ الحلقة الثانية يتبنى تيد عادة إهداء بسكويت مميز لها كل صباح، مما جعلها تتساءل من أين يجلبه، فقامت بتكليف مساعدها هيغينز بالبحث عن البسكويت لكنها لم تجده. إذاً من أين يجلب تيد البسكويت لها كل صباح؟ لقد كانت المفاجأة جميلة وجعلتني ابتسم حقيقة ولا أود حرقها عليك عزيزي القارئ.
رحلة التعرف على 11 لاعباً وطبيبة نفسية؟
الآن نتساءل: كيف يمكن، كتابيًا، أن يشكل مدرب ومساعده ارتباطاً عاطفياً قوياً مع 11 لاعباً، وكيف تمت هذه المعادلة؟
بالطبع لن نتعمق في قصة الـ 11 لاعب لذلك تم تقسيمها تدريجياً، فهنالك من سنعرفهم على الصعيد الشخصي، ومنهم من سُيشكل مواقف بسيطة لإبراز النكهة الحقيقة للقصة، لذلك أود التركيز على بعض الشخصيات المهمة مثل شخصية روي كينت، وهو لاعب لديه تاريخ حافل في كرة القدم، من نادي تشلسي، ووصولاً إلى ناديه الحالي وهو AFC Richmond. روي شخصية غاضبة وجدية دائماً، ونادرا ما ينجح في إضحاك الآخرين - وهذا ما يلعب بالمزيج الكوميدي الخاص بالمسلسل ويساهم في إثرائه - يتمتع بروح شغوفة تجاه كرة القدم، ولكنه يظهرها بشكل غاضب، فنراه، في رحلة المسلسل، في الموسم الأول، في أواخر حياته المهنية، حيث الجميعُ ينتظر اعتزاله بسبب تقدّمه في العمر.
وعلى النَّقِيض تماماً، نجد شخصية جايمي تارت، هدّاف الفريق، الذي يكون هادئا دائماً ومليئا بالغرور. انشغاله المفرط بنفسه يظهر في طريقة لباسه واعتنائه بجسده، إذ يسعى إلى إبهار من يحب ويتلذذ بهتافات الإعجاب من المحيطين به. لكن غروره يجعله بمثابة السم الذي يسري داخل غرفة اللاعبين، لأنه يفتقر إلى روح التعاون ولا يهتم إلا بمصلحته الخاصة.
أما شخصية سام أوبيسانيا، اللاعب القادم من نيجيريا، فهي شخصية طيبة القلب تُشبه تيد نوعًا ما. نراه دائماً ما يفضي لتيد بما يعتمل في قلبه من مشاعر، وهو لاعب جيد، يكره الأنانية مما يجعل تفاعله مع جايمي صعباً جدًا، إذ تنشأ مواقف بينهما تخبرنا بالعديد من الخبايا والقصص.
في الموسم الثاني، يبدأ تيد بمواجهة نفسه وتحديها، ونرى ظهور شخصية جديدة في المسلسل، وهي شخصية على قدر كبير من الأهمية، متخصصة في الطب النفسي. ورغم أن حضورها يتعارض في البداية مع شخصية تيد، لكن الأمور تتطور بينهما من خلال عدة مواقف وحوارات، ولعل هذا ما يميز الموسم الثاني، وهو -بالنسبة لي- استعراضٌ واضح لأهمية الصحة النفسية، ومدى الصعوبات التي يعاني منها الجميع، وقد تميزت الحوارات بينهم بالعمق والوعي، وأضفت على الحلقات وقعًا استثنائيا.
مكونات الدواء العجيب لهذا المسلسل
رحلتي مع مشاهدة الموسم الأول في المرة الأولى، تشبه زيارة الطبيب النفسي؛ حيث يراودك شعور بعدم الارتياح، فالمكان جديد بالنسبة لك والشخصيات غريبة عنك. ومن ثم يمضي الوقت، في رحلة تعيش فبها بين الحلقات وتستمتع بكل الحوارات السعيدة والحزينة. لكنك سرعان ما تعود إلى الموسم الأول فترى بأن هنالك تفاعلاً جميلاً وبسيطاً بين الشخصيات. والهدف الأسمى لهذا الموسم هو تجسيد كيف استطاع بطلنا الفوز، ليس بالدوري فحسب، بل بقلوب جميع من في النادي.
انتقالا إلى الموسم الثاني، برزت الحلقة الثالثة، والتي فور صدورها أعدت مشاهدتها مرتين، لقد كانت من الحلقات المليئة بالمواقف الإنسانية والمريحة للذات. وبعد مرور فترة من الزمن قررت الرجوع لإعادة مشاهدة هذا المسلسل وأستمتع بكل حلقة وأنا على علم بتفاصيل أحداثها.
فإذا كنت تريد معرفة سر تميز هذا المسلسل، فهذه هي الأسباب:
- تجسيد نوبات الهلع: أعلم أن هذا الموضوع قد يصعب الحديث عنه، لأنه يجعلنا نمر بذكريات سيئة، لكن كتّاب ومُخرجي المسلسل قرروا تجسيدها من خلال بطلنا تيد، عندما كان يمر بموجات قوية من المشاعر والهلع.
- البساطة ثم البساطة: هناك مشهد في إحدى الحانات حيث نرى المدرب واللاعبين مجتمعين يناقشون مسألة معينة. ليتغير الحوار إلى قالب كوميدي منسوج حول المخرج مارتن سكورسيزي وحول فوزه بجائزة الأوسكار أخيرًا.
- أجواء سعيدة: طريقة التصوير أو الإخراج في المسلسل تركز على تصوير مشاهد جميلة، تحتوي على مشاعر مريحة حزينة كانت أو سعيدة، مثل الحلقة الرابعة من الموسم الثاني حيث تيد وصاحبة النادي يقومون بتوزيع هدايا بمناسبة "الكريسماس"
- حلقة واحدة تضمن رحلة طويلة: خصصت هذه الفقرة فقط للحديث عن الحلقة التاسعة من الموسم الثاني، التي تتضمن عدة أماكن وشخصيات، وهذه المرة لم تركز على بطلنا المدرب بل مساعده، الذي يمر بأطول رحلة له، ويقوم بزيارة أماكن عشوائية جدًا، لكنها قدمت بأسلوب لطيف، لذلك أرى أنها واحدة من أكثر الحلقات المميزة كتابيًا. .
