فيلم «ضرر».. خراب الروح التي تدمر كل ما حولها

September 1, 2024

محور فيلم «ضرر» - Damage فكرة الضرر الممتد والمتجذر في الروح، الشخصيات المحطمة التي تُوقع الخراب في كل ما تلمسه، ربما عن وعي، وربما من دونه. يبدو الأمر أحيانًا وكأن الخراب قَدَرٌ، حالة لا إرادية، أو مجرد نحس يجره حظ سيئ وُلد مع الإنسان. هناك ما خُط في اللوح وينشد إليه مصير الإنسان ويلتبس بمصير كل من حوله، لكن الخراب في أكثر الأحيان نتيجةٌ مباشرة لتصرفات إرادية، أو طريقة تفكير يمكن التحرر منها أو معالجتها، والخراب الذي يتناوله الفيلم من ذاك النوع المتجذر في الإنسان ويتحول إلى دوائر لانهائية يعود إليها المرء كل مرة، وكلما حاول الهرب من نحسه ولعنته جرته أعمق في دركاتها، الضرر والتلف بصورتهما البدائية التي تُصوَّر وكأنها لعنة لا فكاك عنها.

أخرج الفيلم الفرنسي لويس مال والذي رُشحت ثلاثة من أفلامه لجوائز أوسكار وهي Murmur of the Heart و Atlantic City و Goodbye, Children، والفيلم مقتبَس من رواية للكاتبة الإيرلندية «جوزفين هارت» والمنشورة عام 1991م، وهو من بطولة الممثل الإنجليزي «جيريمي آيرونز» الحاصل على أوسكار أفضل ممثل في عام 1991م عن فيلمه Reversal of Fortune، وشاركته بطولة الفيلم الفرنسية الفاتنة «جولييت بينوش» والتي فازت أيضًا بأوسكار أفضل ممثلة مساعدة عام 1997م عن دورها في فيلم The English Patient، إضافة إلى الممثلة الإنجليزية «ميراندا ريتشاردسون» والتي رُشحت للأوسكار مرتين، في عام 1995م عن دورها الرئيس في فيلم Tom & Viv، كما رُشحت في فئة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في الفيلم الذي نتحدث عنه هنا. يمكن الجزم بأن ظهور هؤلاء الأبطال في الفيلم من أبرز نقاط قوّته، إذ عدا عن جمع الفيلم لهذه الأسماء، وكونه من إخراج «لويس مال»، لكان الفيلم منسيًا وعابرًا.

قصة الفيلم بسيطة ومباشرة، لا تتضمن تعقيدات في الحبكة، ولا عمق في الحوارات، فهي قصة علاقة غرامية مُحرَّمة بين رجل -د.ستيفن فيلمنغ، الشخصية التي قام بأدائها جيريمي آيرونز- وخطيبة ابنه «آنا» (جولييت بينوش)، فالفيلم يعتمد على أداء هذا الثنائي بصورة رئيسة، على نظراتهما لبعضهما، وطريقة حديثهما، ونبرة أصواتهما، ومسار هذه العلاقة التي بدأت بلا مقدمات، وانتهت كذلك بطريقة مفجعة. سيناريو الفيلم بسيط حد السذاجة، والقصة بلا مفاجئات، فكل ملامحها واضحة منذ البداية، والنهاية متوقعة ومملة، فكل الفيلم معتمد على الأداء الجميل لهذا الثنائي.

يتناول الفيلم حياة امرأة مُدمَّرة تُسبِب الخراب حيثما حلّت، أو يتبعها الخراب أينما تذهب، فمنذ البداية كانت علاقة «آنا» في مراهقتها بأخيها المراهق علاقةً معتلة، فقد كانا مقربين، حتى إن أخاها كان يرغب في تملّكها، وهناك تلميحات إلى علاقة جنسية بين الأخوين لم تعترف «آنا» ولا والدتها بها بشكل صريح، وبسبب تعلُّق الأخ بـ«آنا»، ورفضها لرغبته في تملّكها، انتحر الأخ المراهق، ما تسبب بخراب كل شيء، فروح «آنا» مدمرة، وعلاقتها بعائلتها مضطربة، ووالدتها تُحمِّلها ذنب كل شيء، وهي تدور في كل مكان تبحث عن طيف أخيها المنتحر وتُسبِّب الدمار حيثما حلّت، وكأنها لعنة تتسبب بتلف كل ما تقترب منه.

تبدأ قصة الفيلم بلقاء «آنا» بالدكتور «ستيفن فيلمنغ» في حفل عام، و«فيلمنغ» سياسي إنجليزي له مكانته الاجتماعية، ومتزوج بامرأة محبة، وابنه «مارتن» شاب ناجح ووسيم، وهنا نجد «د.فيلمنغ» يعيش حياة مستقرة وهادئة على الجانب الاجتماعي، وهو في ذروة انشغالاته السياسية على الجانب العملي، وهنا تبدأ القصة بلحظة لقاء «ستيفن» بـ«آنا»، والتي قصدته من بين كل الضيوف وعرّفت نفسها بأنها صديقة ابنه «مارتن»، وتبدأ هنا أولى لمحات التمرد على المجتمع، فلماذا لم تنتظر «آنا» أن يُعرّف «مارتن» بها لوالده في غداء أو عشاء عائلي كما هو معتاد في مثل هذه الحالات! لوهلة يبدو وكأن شيئًا ما يولد بين الشخصين، فالنظرات تذهب إلى أماكن بعيدة، ويقف «ستيفن» مأخوذًا بجمال «آنا»، والتي يبدو وكأنها تبادله الدهشة، وهنا أمر غير مفهوم، ولا يحاول الفيلم تبريره، لماذا بدأ «ستيفن» علاقة جنسية محضة ومفاجئة وبلا مقدمات مع صديقة ابنه؟! هنا يتركنا سيناريو الفيلم للفكرة الغيبية التي محورها الشؤم والعطب، فهذا ما تفعله «آنا»، ولا تحتاج إلى سبب لتدمر ما حولها، وكأنها سحر وتعاويذ تلقي الشؤم على كل المحيطين بها.

من جهة أخرى، كان لهما كل الخيار لتجنب الدخول في تلك العلاقة المحرمة المدمرة. يصور الفيلم هذا الخراب الذي يحيط بـ«آنا» وكأنه قدر، لكنه بالنسبة إلى «ستيفن» كان خيارًا يستطيع رفضه ومقاومته، فما دافع «ستيفن»، والد «مارتن»، للدخول إلى هذه العلاقة في الوقت الذي يبدو فيه وكأنه في ذروة انشغالاته العملية؟ هذا ما لا يحاول الفيلم الإجابة عنه، وهو من أهم خيبات الفيلم، إلا أن الطرفين يستسلمان لهذه العلاقة المضطربة والتي تسير بلا اتجاه، ربما تعزيزًا لفكرة الشؤم واللعنة، ويمكن الجزم من البداية أن نهائية هذه العلاقة ستكون وخيمة على الجميع، لكن العلاقة تسير في طريق غير مفهوم، فـ«مارتن» (ابن ستيفن) يقرر الزواج بـ«آنا»، وتلمح والدتها إلى الشبه الشديد بين «مارتن» وأخي «آنا» المنتحر، وتلمح إلى أن ابنتها تدمر كل ما حولها كل مرة، والكل يمضي في ذات الطريق المشؤوم، فـ«مارتن» يحب «آنا»، و«ستيفن» يخون زوجته وابنه ويستمر في علاقته المحرمة والمشؤومة بـ«آنا»، وتدور كل أحداث الفيلم في هذا السياق بشكل رتيب إلى أن ينتهي كل شيء باكتشاف «مارتن» لعلاقة والده بخطيبته (يا للمفاجأة!) وتنتهي حياة «ستيفن»، فتتركه زوجته، ويموت ولده، وتهرب «آنا» لتزرع شؤمها في مكان آخر، وينتهي الحال بـ«ستيفن» شبه مشرد في مدينة قصية يتأمل صورته مع «آنا» وابنه «مارتن» على جدار غرفته، فالأب المحطم يُعذّب نفسه، يصلب روحه كل يوم، بتأمل كل ما فقد، وما تسبب له بالفقد.

الفيلم بسيط وساذج بنهاية متوقعة، ولولا جمعه لأسماء كبيرة -«لويس مال»، و«جيريمي آيرونز»، و«جولييت بينوش»، و«ميراندا ريتشاردسون»- لما كان له أن يلفت انتباه أحد، وثيمة الفيلم من الثيمات المكررة في السينما، أعني العلاقة المحرمة التي تنتهي بدمار كل شيء، فالفيلم يقوم على فكرة الشؤم والخراب المرتبط ببعض البشر بصورة غير مفهومة وغير مبررة وكأنه خارج عن إرادتهم، وكأن حياته منسوجة بخيط رفيع مداره الفقد والألم والتلف.

الهوامش:

اشترك في النشرة البريدية

احصل على أحدث المقالات والأخبار مباشرة في بريدك الإلكتروني
تم إضافتك ضمن النشرة البريدية, شكرًا لك!
نعتذر حدث خطأ, الرجاء المحاولة مرةً أخرى