المقدمة
مع رؤية المملكة 2030، نشهد تطورًا سريعًا نحو المستقبل بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ومن رحم هذه الرؤية انطلق الحراك السينمائي، وتجلَّى ذلك بافتتاح صالات العرض وتقديم الدعم لقطاع الافلام بكلِّ مجالاته الحكوميَّة والخاصة، وذلك بهدف الوصول إلى صناعةٍ سينمائيَّةٍ بهويَّةٍ سعوديَّةٍ يتحقَّق من خلالها عائدٌ اقتصاديٌّ وصورٌ لحكايا أصيلةٍ تصلُ إلى العالم كقوَّةٍ ناعمة. وعلى الرغمِ من وضوح وجهة السينما، إلا أنَّ وتيرة حدوثَها وتسارعها يفوق توقُّعات صنَّاع الأفلام، وهو ما أعاد فتح النقاش الجدليِّ القديم حول السينما بين كونها فنًّا وبين كونها أداةَ ترفيه. هذا الحراك السينمائي يعيدني إلى النقاش حول هذا السؤال في الكتاب المرجعي الشهير «مقدِّمةٌ في فنِّ السينما» (Film Art : Introduction) لكلٍّ من ديفيد بوردويل وكريستين طومسون. لذلك أجدُ من الجيد إعادة طرح هذا التساؤل وتفكيكه لفهمِ جدليَّة الصراع بعد ما يقارب العشر سنواتٍ من إنتاج أفلامٍ سعوديَّةٍ ناجحةٍ تجاريًّا وفنيًّا، وتمامًا كما حدث في هوليوود فيما مضى يحدث اليوم في السعوديَّة أيضًا. مثَّلت السينما، منذ اختراعها في أواخر القرن التاسع عشر، حالةً فنيَّةً فريدةً هجينة الطابع تجمعُ بين ما هو بصريٌّ وما هو درامي، بين الحرفة والتعبير الجمالي وبين الصناعة والترفيه.
انطلقت العروض السينمائيَّة الأولى في الأسواق والسيرك بهدف تسلية الجماهير، إلَّا أنَّها لم تنل إعجاب النقَّاد ومنظِّري الفنون إلا حينما أدركَ صنَّاع السينما الأوائل جوهر السينما وقدرتها الإبداعية الهائلة من خلال التجريب واستخدام أدواتها وعناصرها. بذلك تحوَّلت السينما إلى ما يُعرفُ اليوم باسم الفنِّ السابع، أي أنَّها أصبحت وسيلةَ تعبيرٍ تحملُ قيمًا وأفكارًا وتثير الأسئلة الكبرى حول الإنسان والعالم. وقد جاءت نتيجة هذا التحوُّل الجوهري، والذي خلق طموحًا لصناعة سينما فنيَّة وأخرى تجاريَّة، على شكلِ توتُّرٍ إيجابيٍّ يعزِّز من قيمة وأهميَّة الاتِّجاهين دون إعلاء قيمة واحدٍ منهما على حساب الآخر، ممَّا انعكس على طرائق تقييم الأفلام وتصنيفها، وكذلك على الذوق السينمائي العام.
بعد مضيِّ أكثر من مئةِ عامٍ على السينما، نستنتجُ أنَّ «الخطَّ الفاصل بين الفنِّ والترفيه في السينما غير حاد»، إذ يمكن لفيلمٍ ما أن يكون جماهيريًّا وذو قيمةٍ فنيَّةٍ رفيعة في آنٍ واحد، وهذه الرفعة تأتي بالوعي الكامل بأدوات السينما وعناصرها الإبداعيَّة. وقد قدَّمت السينما السعودية أعمالا سينمائية ناجحة بنوعيها الاثنين: النوع التجاري المباشر للسوق (كفيلم «سطار: عودة الخمس الأسطوري» (2022) للمخرج الكويتي عبد الله العراك ومسلسل «شباب البومب» للمخرج ماجد الربيعان)، والنوع الفني الإبداعي (كفيلم «هوبال» (2024) للمخرج عبد العزيز الشلاحي وفيلم «مندوب الليل» (2023) للمخرج علي الكلثمي).
من هذه المتابعة تكشف لنا السينما عن طبيعتها وأن الفيلم، باعتباره شكلاً فنيًا مركبًا، لا ينفصل عن السياق الإنتاجي والتقني والاجتماعي، وأن عناصره الجمالية – من التكوين البصري، إلى الإيقاع والمونتاج والصوت – تتفاعل جميعًا لتكوين تجربة شعورية وفكرية لدى المشاهد، بغض النظر عن تصنيفه كـ«جماهيري» أو «فني».
سنناقش في هذا المقال هذه العلاقة الملتبسة بين الفن والترفيه في السينما، مستندين إلى طرح بوردويل وآفاقه التحليليّة، لنرصد كيف تمازجت المتعة البصريَّة مع القيمة الفنيَّة في العديد من الأفلام، وكيف أعادت المنصات الرقميَّة صياغة هذه العلاقة من جديد، وأيضًا كيف يمكن لنا كصنَّاعٍ الاستفادة من فهم الاختلاف والتنوع لأجل صناعةٍ سينمائيَّةٍ سعوديَّة.
الجذر التاريخي للصراع بين الفن والترفيه في السينما
ارتبطت السينما منذ نشأتها بوظيفتها الترفيهيَّة، فقد كانت العروض الأولى للأفلام الصامتة (كعروض الإخوة لوميير في باريس عام 1895) تستهدف إبهار الجمهور بتقنيَّات الصورة المتحركة أكثر من رغبتها في تقديم مضمونٍ فنيٍّ أو سردٍ قصصيٍّ معقَّد. آنذاك كانت السينما مجرَّد "مشهدٍ متحرِّك"، سلعةً شعبيَّةً تُعرض في الأسواق وتنافس المسرح المتجوِّل والألعاب البصريَّة الأخرى.
لكن سرعان ما بدأ بعض صنّاع الأفلام في تجاوز هذا الدور العابر، فظهرت محاولات سردية أكثر تعقيدًا في العقد الأول من القرن العشرين، كما في أفلام جورج ميلييس وخطابه الخيالي في أفلامٍ مثل «رحلة إلى القمر» (Le Voyage dans la Lune - 1902)، أو في أفلام فريدريك غريفيث التي طوَّرت لغة المونتاج. في وقتٍ لاحق، تحديدًا في عشرينيَّات القرن الماضي، تطوَّرت تياراتٌ أكثر وعيًا بفنيَّة السينما، مثل المونتاج السوفييتي الذي قاده إيزنشتاين، والذي اعتبر السينما أداةً تربويَّةً وفكريَّةً تستهدف تحفيز وعي الجماهير لا مجرَّد تسليتهم.
ثمَّ جاءت الموجات الجديدة في إيطاليا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية لتؤكد أن السينما تستطيع أن تكون فنًا خالصًا، وأن تتعامل مع الواقع أو مع الذات بأساليب مختلفةٍ عن تلك التي اعتادها جمهور هوليوود. ومع ذلك ظلت السينما الجماهيرية، ذات البنية السرديَّة التقليدية والميل الواضح نحو الترفيه، حاضرةً بقوَّةٍ ومدعومةً بشبكات الإنتاج والتوزيع الكبرى.
هكذا تأسَّست جدليَّةٌ ثنائيَّة بين «السينما الجماهيريَّة» بوصفها أداةً للمتعة والتسلية، و«السينما الفنيَّة» بوصفها وسيلةً للتأمُّل والتعبير الذاتي. لكنَّ هذه الثنائيَّة ليست دائمًا واضحة، وقد يكون تفكيكها شرطًا لفهم السينما الحديثة.
تحليل ماهية الفيلم الفني
يطرح الكتاب إطارًا منهجيًا لفهم عناصر الفيلم الفني، ويؤسِّس لفكرة أنَّ أيَّ فيلم، مهما كان بسيطًا أو معقدًا، يتكوَّن من مجموعةٍ من القرارات الجماليَّة والإنتاجيَّة التي تُكوِّن "الشكل"، والذي بدوره يصوغ "المضمون". بحسب بوردويل وطومسون، لا يمكن فصل الشكل عن المحتوى، فحتى أفلام الحركة أو الكوميديا تعتمد على إيقاعٍ معيَّن، ومونتاجٍ مدروسٍ وتكوينٍ بصريٍّ ذي وظيفةٍ محدَّدة. بمعنى آخر فإنَّ الفيلم الفني عبارةٌ عن عملٍ يتكوَّنُ من نسيجٍ واحدٍ مترابط يعبِّرُ عن مضمونه من خلال شكله الظاهر بأدواته الأصلية: الصورة، الصوت والمونتاج.
يناقش الكتاب بإسهابٍ أنَّ الفيلم ليس منتجًا فرديًّا بقدر ما هو عمليَّةٌ جماعيَّةٌ تُبنى على تفاعلات بين كلٍّ من السيناريست، والمخرج، ومدير التصوير، والمونتير، ومصمم الصوت… وكلُّ واحدٍ من هؤلاء يتَّخذُ قراراتٍ فنيَّةٍ تؤثِّرُ في الشكل النهائي للعمل. هنا يكشف سؤال الفن والترفيه بشكلٍ واضحٍ عن نيَّة الإنتاج واتجاهه.
لا يرى بوردويل أن الترفيه نقيضٌ للفن، إنَّما هو جزءٌ من التجربة الجماليَّة نفسها. ويضرب أمثلةً عديدةً لأفلامٍ حقَّقت نجاحًا جماهيريًا واسعًا، وفي الوقت ذاته كانت غنيَّةً من حيث الشكل واللغة السينمائيَّة: كالأفلام التي تنتجها شركة A24، والتي تحقِّقُ أرباحًا كبيرةً وإقبالًا جماهيريًّا واسعًا رغم غرابتها وأسلوبها، تمامًا كما هو حال فيلم «كلُّ شيءٍ في كلِّ مكانٍ دفعةً واحدة» (Everything Everywhere All at Once - 2022)، إذ قدَّم صنَّاعه سردًا بصريًّا ممتعًا للتعبير عن مضمونه.
يمكنُ لفيلمٍ فنيٍّ أن يكون ممتعًا للمشاهد، لا لأنه يضحكه أو يصدمه، بل لأنه يحفِّزه على التفكير، أو يدهشه بصريًّا أو يجعله يتورَّط عاطفيًّا في الحكاية. بالتالي لا بدَّ من إخراج مفهوم المتعة من كونه مختزلًا في الضحك أو الإثارة وتوسيع نطاقه ليشمل التقدير الجمالي والدهشة، والتأمُّل والمتعة الفكرية.
يُعدُّ فيلم «طفيلي» (Parasite - 2019) مثالًا واضحًا على توازن الفنِّ والترفيه، إذ يعتمدُ سردًا تقليديًا لكنَّه يلتفُّ على التوقُّعات بأسلوبٍ ذكيٍّ وينتقلُ بسلاسةٍ بين الأنواع الدراميَّة. يُستخدم التكوين البصري والميزانسين بدقة، بحيثُ يصبحُ المنزلُ رمزًا طبقيًا، والسلالم والمطر أدواتٍ دلاليَّةً عميقة. يجمع الفيلم بين الإيقاع المشوق والمعاني الرمزيَّة، ممَّا يمنحه جاذبيَّةً جماهيريَّةً وعمقًا نقديًا، وينجح ذلك لأنَّه يوظِّفُ الشكل لخدمةِ المضمون دون افتعال. بهذا يُجسِّد فيلم «طفيلي» نموذجًا جامعًا مفاده أن باستطاعة السينما أن تغدو فنًَا راقيًَا ومُسليًة في الوقتِ نفسه.
هل يمكن للسينما الجماهيرية أن تكون فنًا؟
هناك الكثير من الأفلام الجماهيريَّة التي يمكن تحليلها بوصفها أعمالًا فنيَّةً مكتملة العناصر، فصحيحٌ أنَّ هدفها الرئيس هو جذبُ الجمهور وتحقيق الأرباح، لكنَّ هذا لا يمنعها من تقديم قيمٍ جماليَّةٍ حقيقيَّة، بل وقد تكون هذه القيم سببًا في نجاحها كما في أفلام ديفيد فينشر الذي يقدِّم أفلامًا مظلمة (Film Noir) وذات شخصيات معقدة على غرار «سبعة» (Seven - 2019)، أو أفلام كريستوفر نولان، وبالأخص فيلم «استهلال» (Inception - 2010) الذي، ورغم تعقيد الحبكة وتشابك العلاقات بين شخصيَّاته وطرحه لأسئلةٍ فلسفيَّةٍ عميقة، فقد قُدِّم العمل ضمن سردٍ مشوِّق وباستخدام تقنيَّاتٍ إنتاجيَّةٍ عالية الكلفةِ والجودة، ممَّا أتاح صياغة شكلٍ بصريٍّ يتناغمُ مع المضمون، ويمكِّن الجمهور من التفاعل معه والدخول في عوالمه، حتى ليكاد يدخلُ في الحلم إحدى شخصيَّاته.
لا بدَّ أيضًا من الإشارة إلى أفلام شركة بيكسار، مثل «قلبًا وقالبًا» (Inside Out - 2015) و«وول-ي» (Wall-E - 2015)، التي توازنُ ببراعةٍ بين متطلَّبات الجمهور الصغير من حيث التسلية، وبين إشاراتٍ عميقةٍ تخصُّ العائلة والذاكرة، الذكاء العاطفي والعزلة.
كما استطاع ستانلي كوبريك، المعروف بأسلوبه التجريبي، أن يمزجَ في أفلام مثل «البريق» (The Shining - 1980) أو «2001: ملحمة الفضاء» (2001: A Space Odyssey - 1968) بين الشكل الجمالي المبتكر وبين الإثارة والمتعة البصرية، مما أكسب أعماله جمهورا واسعا وجعل من طابعه النخبوي عامل جذب لا عائقا.
إذن، ليست السينما الجماهيرية بالضرورة "ضد الفن"، بل قد تكون أداة لتوصيل الفن إلى جمهور أوسع، عندما تُمارَس بحس بصري واعٍ وبلغة سينمائية مدروسة.
«الفيلم الفني ممل، يشاهده المخرج واخويا…!»
انتشرت هذه المقولة التلميحيَّة بين صناع الأفلام والجمهور على حدٍّ سواء، وذلكَ كردَّةِ فعلٍ طبيعيَّةٍ في بيئةٍ قرَّرت أن تعتمد مبيعات الفيلم معياراً للنجاح. ويعود ذلك جزئيًّا إلى تعثُّر بعض الأفلام التي تصنِّف نفسها أفلامًا فنيّة، لكنَّها تقدِّم حكاياتٍ تتشبَّث بعناصرَ لم يكتمل نضوجها، ممَّا يترك انطباعًا سلبيًّا لدى المتلقِّي.
يوضح الكتاب سابق الذكر أنَّ مفهومَ المتعة في السينما لا يتعلّق بالمؤثرات أو الحركة فحسب، إتَّما يتجاوزُ ذلك ليشمل الإيقاع الداخلي، والتكوين البصري والعمق الدرامي، والمتعةُ قد تأتي من التأمُّل أو المفاجأة أو حتى الإرباك المقصود. نأخذُ على سبيل المثال أفلامًا مثل «في مزاج للحب» (In the Mood for Love - 2000) لوونغ كار واي، أو «مطارد» (Stalker - 1979) لأندريه تاركوفسكي، أو «برسونا» (Persona - 1966) لإنغمار بيرغمان، وهي أفلامٌ لا تسعى إلى "الإمتاع المباشر"، لكنَّها تمنح متعةً فنيَّةً ناتجةً عن التورُّط في الصورة، والإنصات للصمت والتساؤل عن المعنى.
هنا تصبحُ "الفرجة" فعلًا تأمُّليًا ويمسي المُشاهد شريكًا فاعلًا في إنتاج الدلالة لا مجرَّد متلقٍّ سلبي. هذا النوع من الأفلام لا يقدِّم "الجواب"، بل يفتح الباب أمام الأسئلة ويتركُ المجال للتأويل. إنَّها تجربةٌ تتطلَّب انخراطًا من نوعٍ آخر، لكنَّه لا يقلُّ متعةً أو أثرًا عن التجربة الجماهيريَّة التقليديَّة.
تطوُّر العلاقة في زمن المنصَّات الرقميَّة
مع صعودِ المنصَّات الرقميَّة دخلت السينما مرحلةً جديدةً من علاقتها مع الجمهور، إذ ساهمت هذه المنصات في إعادة تعريفِ علاقة الفنِّ بالترفيه، حيث بات من الممكن إنتاج أفلام فنيَّةٍ بأساليبَ تقليديَّةٍ أو تجريبيَّة، لكنَّها تصل إلى الجمهور العريض مباشرةً في بيته.
شكّل فيلم «روما» (Roma - 2018) لألفونسو كوارون، الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، مثالًا بارزًا على تحوُّلات العرض السينمائي، إذ وجد في منصَّة نتفليكس مساحةً مكَّنته من الوصول إلى جمهورٍ واسعٍ خارج قاعات السينما التجاريَّة. وعلى المنوال ذاته قدَّم مارتن سكورسيزي في «الأيرلندي» (The Irishman - 2018) تجربةً تمزج بين البناء الملحمي والنَفَس التأملي، ليجد الفيلم عبر البث الرقمي جمهورًا جديدًا أكثر تقبُّلًا للإيقاع البطيء وطول مدة العرض.
في هذا السياق أعادت المنصات الرقميَّة تعريف مفهوم "النجاح الجماهيري"، إذ لم يعد قياسه يقتصرُ على الإيرادات فحسب، إنَّما بات يشملُ أيضًا عدد المشاهدات، والتفاعل والمحتوى الاجتماعي المرافق. إلَّا أنَّ هذا التطوُّر التعريفي يأتي مع تحدِّياته الخاصَّة: إذ إنَّ خوارزميَّات التوصية قد تعزِّزُ ميولَ الجمهور نحو الترفيه السهل على حساب الأعمال الأكثر جديَّة. ناهيك عن أنَّ الإنتاجَ الفنيَّ لمنصات البث قد يخضع أحيانًا لمعادلات السوق وأذواق المشاهدين اللحظيَّة، بما يؤثِّرُ على حريَّة الإبداع. مع ذلك، تبقى المنصات فرصةً ذهبيَّةً لإعادة التوازن بين الفنِّ والترفيه، خصوصًا حين تُمنح الحريَّة للمخرجين لتقديم رؤاهم الشخصيَّة خارج قوالبِ السينما الجماهيريَّة التقليديَّة.
الخاتمة
من غير الممكن اختزال السينما في كونها فنًا خالصًا أو ترفيهًا صرفًا: إنَّها مزيجٌ من الاثنين، في تفاعلٍ دائم وتوتُّرٍ خلاق. بينَ مشهدٍ صامت يعبِّر عن الوحدة بلغةِ الصورة فقط، وبين فيلمٍ كوميدي يجعلُ القاعة تنفجر ضحكًا، تتجلَّى قدرة السينما على لمس الإنسان من زوايا متعدِّدة، وتحقيق المتعة الفكريَّة والوجدانيَّة في آنٍ معًا.
إنَّ تحليل الفيلم لا يجب أن يبدأ من تصنيفه، بل من لغته، وشكله، وهدفه الفني. قد يكون فيلم الأكشن أكثر شاعرية من فيلم "فني" تقليدي، وقد تكون الكوميديا وسيلة راقية لمناقشة قضايا وجودية. كما أنَّ الجمعَ بين الفن والترفيه ليس فقط ممكنًا، بل ضروريٌّ لصناعةِ سينما قادرةٍ على التعبير العميق وجذب الجمهور في آن واحد. هذا الوعي الكبير هو ركيزةٌ من ركائزِ صناعة السينما السعوديَّة المتمثِّلة برعاية وزير الثقافة سمو الأمير بدر بن فرحان ودعمه لهيئة الأفلام ومؤسَّسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وكذلك هيئة الترفيه وطموح معالي المستشار تركي آل شيخ لإنتاج أفلامٍ سعوديَّةٍ بمواصفاتٍ عالميَّة. وبفضل هذا الدعم والطموح الكبيرين أخذت ملامح هويَّة السينما السعودية بالتجلي والظهور.
في الختام يظلُّ السؤال مفتوحًا: هل نحاكمُ الفيلم بجمهوره أم بلغته؟ هل يمكن فعلًا أن نجدَ سينما تجمعُ ما بين المتعة والتجديد، وبين البساطة والعمق؟ يبدو أنَّ الإجابة ليست في النوع، بل في الطريقة التي يُصاغ بها العمل ويُستقبل بها من قبلِ جمهورٍ لا يبحث فقط عن الضحكِ أو البكاء، بل عن التجربة السينمائيَّة الكاملة.