جسدٌ ميِّتٌ يعود إلى الحياة بسبب عدوى حوَّلته إلى كائنٍ بلا وعي، غير قادرٍ على التفكير أو الكلام. يتحرَّك بغريزةٍ عمياء بحثًا عن لحم ودم الأحياء بنهمٍ لا يُشبَع. تبرز حركته البطيئة وسطَ قطعانٍ ضخمة، ويجسِّد مظهره المتحلِّل وعضلاته المكشوفة فكرة الموت الأبدي والعدوى اللامحدودة. إنَّه الزومبي.
هذا الكيان العالق بين الحياة والموت يثير الاشمئزاز بغياب شخصيَّته، ويعكس الخوف من الفناء ومن الكتلة منزوعةِ الملامح. يحتلُّ الزومبي موقعًا بارزًا في سينما الرعب، سواء كنوعٍ قائمٍ بذاته أو كعنصرٍ مدموجٍ مع أنماطٍ سرديَّةٍ أخرى.
لا يتبدَّى الخطر الكامن في الزومبي في عدواه فحسب، ولكن أيضًا في تجسيده لفكرة الطاعة الجماعيَّة والانقياد الأعمى دون نقدٍ أو وعي. العضة منه تُحوِّل الضحية إلى زومبي جديد، وتتحول هذه السلسلة من التحوُّل إلى استعارةٍ سينمائيَّةٍ لأزماتٍ ثقافيَّةٍ ممتدَّة: من العبودية، والرأسماليَّة الاستعماريَّة، والاستهلاك والتلوُّث، إلى الاقتصاد السياسي، والعدوى، والغضب الأعمى الكامن في النفس البشرية. وهي الاستعارة التي تنطلق منها أفلام «بعد 28 يومًا» (28 Days later - 2002)، و«بعد 28 أسبوعًا» (28 Weeks Later - 2007)، و«بعد 28 عامًا» (28 Years Later - 2025) الذي صدر مؤخرًا. وقد قام كلًّا من أليكس غارلاند والمخرج داني بويل بالتعاون في الفيلمين الأول والثالث، وأشرف بويل تنفيذيًا على إنتاج الفيلم الثاني.
تهدفُ هذه القراءة إلى تتبُّع التحوُّلات الرمزية للزومبي عبر ثلاثيَّة «28» لفهم كيفيَّة انعكاس أسئلة الغضب لدى هذا الكائن، والانهيار الاجتماعي، وكذلك الكيفيَّة التي تتشكَّل عليها استعارة هذا الكائن حسب المخاوف العالميَّة أو المجتمعيَّة وقت إنتاج كلِّ فيلم.
«بعد 28 يومًا»
يستيقظ جيم (كيليان مورفي)، أحد عمّال التوصيل، من غيبوبة داخل مستشفى مهجورة بلندن، ليكتشف أنَّ فيروسًا يدعى "الغضب" - تمَّ تطويره بيولوجيًا - قد اجتاح الجزيرة البريطانيَّة محوِّلًا السكان إلى جموعٍ هائجةٍ من الزومبي. استلهم صناع الفيلم فكرته من رواية «يوم التريفيدس» (The Day of the Triffids) للكاتب جون ويندهام، والتي تدور حول رجلٍ يستيقظ من غيبوبةٍ ليكتشف أنَّ كارثةً أصابت العالم. كما تأثَّر الفيلم بأفلام الزومبي الكلاسيكيَّة لجورج روميرو، وبفيلم الأنمي الياباني «أكيرا» (Akira - 1988)، إلى جانب صور المدن المهجورة بعد الكوارث.
على الرغم من تصريح صنَّاع الفيلم بأنَّ هدفهم الأساسي هو استكشاف "الغضب الاستهلاكي داخلنا في القرن الحادي والعشرين" - كالغضب أثناء الرحلات الجوية، أو طوابير الانتظار في المطارات والمتاجر - فإنَّ توقيت صدوره، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، يجعلُ من المستحيل تجاهل أبعاده السياسيَّة، لا سيَّما في ظلِّ استعداد الولايات المتحدة الأمريكيَّة لغزو العراق. وهكذا يصبح الفيلم مرآةً لمخاوف تلك المرحلة: التسلُّح، الفيروسات، العنف الكامن، والانهيار المؤسَّسي.
تبدأ أحداث الفيلم بمشهدٍ داخل مختبرٍ تُجرى فيه تجاربُ عنيفة على قردة الشامبانزي، والتي تُجبَر على مشاهدة لقطات يبثها الإعلام من العنف البشري أثناء مراقبة استجاباتها الشعوريَّة. يتم تحريرها من قِبل نشطاء حقوق الحيوان، فتقوم بمهاجمتهم ناشرةً العدوى. ثمَّ تنتقل الأحداث إلى بطل الفيلم الذي يمثل زاوية التماهي الأساسيَّة مع المشاهد، حيث نكتشف العالم الكارثيَّ من خلال عينيه. نراه يتجوَّل في شوارع لندن الخالية، مارًّا بمعالمها المهجورة، في رحلة استكشافٍ تدريجيَّةٍ لواقع ما بعد الكارثة. وعند وصوله إلى عتبة إحدى الكنائس، يجدُ جثثًا مكوّمة بداخلها، فينادي باحثًا عن حياةٍ أو إجابة. يظهر له قسيس، لكنَّه بدلًا من أن يطمئنه، يندفع نحوه بعنفٍ في محاولةٍ للهجوم. يرتعب البطل، ويضرب القسيس أثناء ترديده لعبارات اعتذار، ليفاجأ بأنَّ الجموع الخاملة داخل الكنيسة قد بدأت تتحرَّك، وتنهض لمطاردته في شوارع المدينة.
تطرح المشاهد الافتتاحيَّة للفيلم عدَّة أسئلةٍ رمزيَّةٍ منها: لماذا القردة تحديدًا؟ ولماذا الكنيسة كموقعٍ لاحقٍ للأحداث؟ بصفتها أقرب الكائنات وراثيًا إلى البشر، تمثِّلُ القردة انعكاسًا بدائيًا لطبيعتنا الغاضبة: إنَّها تجسيدٌ بيولوجيٌّ للفكرة التي يطرحُها جاك بانكسيب حول أنظمة الغضب الأوليَّة. أما الجثثُ الخاملة داخل الكنيسة، والعبارة المكتوبة على درجها: «توبوا، فالنهاية وشيكة»، فتقدم بعدًا دينيًا يُدين الخطاب الدوغمائي المغلق، المشابه لحالة الزومبي من حيث غياب العقل والهويَّة.
لا يتوقَّف الفيلم عند طرح استعارة الدوغمائية الدينيَّة التي قد تتسبَّب في نشوب الحروب، لكنَّه يضع ما يقابلها من تزمُّتٍ فكريٍّ وسلوكيٍّ آخر، متمثلًا في وجودِ المجموعة العسكريَّة التي تضلِّل أبطال الفيلم وتوهمهم بالنجاة. يتعزَّز التوازي بين سلوك الزومبي والمؤسسات المنغلقة في الثلث الأخير من الفيلم، حين يكتشف جيم ورفيقاته أنَّ الجنود الذين استضافوهم يسعون لاستغلال النساء جنسيًا.
يظهر كلًّا من الزومبي والمجموعة العسكريَّة كوجهين لعملةٍ واحدة: نظامٌ قائمٌ على الغريزة والاستغلال القائمَين على الاستلاب. يكشف مقطع الحصن العسكريِّ عن مأزق الإدراك الإنساني لدى أبطال الفيلم وكذلك المُشاهد متمثِّلًا في كيفيَّة التمييز بين الزومبي والإنسان عندما يسيطر عليه الغضب. هل الغضب الأعمى يفقدنا إنسانيَّتنا دون الحاجة إلى عدوى؟
يصوَّر ذلك في أحد المشاهد المهمة قرب النهاية، وفيه يهاجم جيم معسكر الجنود لإنقاذ رفيقتَيه. لكنَّه، وقد صار غاضبًا ومغطى بالدماء، يبدو كالمصابين بالعدوى. لم تتمكن صديقته من التعرف عليه إلا بعدما تأكدت من عينيه، لتكتشف أنه لا يزال بشرًا - تلعب الإضاءة دورًا مهمًّا في هذا المشهد، فهي تقسِمُ وجه البطل إلى قسمين دلالةً على طبيعته الداخليَّة الغاضبة. هكذا يتداخل الإنساني والوحشي في لحظةٍ رمزيَّةٍ تؤكد أنَّ الغضب يسكن الجميع.
«بعد 28 أسبوعًا»
في الفيلم الثاني من هذه الثلاثيَّة والذي أخرجه خوان كارلوس فريسناديُّو تحت إشراف داني بويل إنتاجيًا، يتمُّ التركيز على بنية العائلة في سياق الأزمة. تبدأ القصَّة بدخول القوات الأمريكيَّة مع قوات حفظ السلام لإعادة إعمار لندن بعد إعلان القضاء على الفيروس. تُستخدم العائلة هنا كنواةٍ سرديَّة، لكنَّ البناء السطحي للعلاقات بين أفرادها يجعل المُشاهد أقلَّ تعاطفًا. ومع ذلك يضيف الفيلم أبعادًا سياسيَّةً جديدةً على السلسلة، ويكشف التضليلَ والعجزَ عن حماية الفرد، حيث يتحوَّلُ الحصن إلى مسلخ.
يعكس الفيلم الخطاب الأمريكي في العراق وقتئذ: "إعادة الإعمار" و"حماية المدنيين" دون أن يتوقَّف عند هذا الحد، إذ يعرِّي هذا الخطاب عندما يتحوَّل الجنود من منقِذين إلى قنَّاصين، وتُصدَر الأوامر بإبادةٍ جماعيَّة: استخدام الأسلحة الكيميائيَّة والضربات الجويَّة للقضاء على العدوى. ويتمثَّل أحد أكثر المشاهد وحشيَّةً في قتل المدنيِّين والمصابين دون تفرقة، بما يذكِّرُ بممارسات الاحتلال الأمريكي في العراق.
«بعد 28 عامًا»
يعود أليكس جارلاند ككاتبٍ للفيلم الثالث من الثلاثيَّة بعد نضجه الفنِّي في أعمال مثل «إكس-ماكينا» (Ex Machina - 2014) و«حرب أهلية» (Civil War - 2024). يتَّبع الفيلم نفس بنية الرحلة التي اتبعها في الفيلم الأول، وكذلك فيلمه «حرب أهلية»، لكن بطلها هنا سبايك (ألفي ويليامز) مراهق صغير، يعيش مع والدته المريضة إيلا (جودي كومر) ووالده جايمي (آرون تايلر جونسون) في مرتفعات اسكتلندا، في عالمٍ تأقلم مع وجود المصابين بعدوى الغضب، يرتدُّ هذا العالم إلى الطقوس البدائيَّة في القتال والصيد، حتى وإن ارتدوا ثيابًا متحضِّرة.
تنقسمُ الرحلة في الفيلم إلى قسمين، في أولهما يحتفي أهل الحصن بخروج سبايك إلى البر الآخر لاصطياد المصابين، في طقسٍ أشبه بطقوس البلوغ لدى العشائر القبليَّة. تتخلَّل هذه الرحلة مشاهدُ أرشيفيَّة تاريخيَّة عن تدريب الأطفال في الحركات الفاشيَّة والنازيَّة، لربط الفيلم بمفهوم تدريب النشء على القتال عبر الأجيال. يرافق الفتى والده في رحلةٍ إلى البر الموبوء الذي تفصله المياه عن مكان سكنهم، في دلالةٍ على البرزخ بين الحياة والموت.
ينقسمُ مسار الرحلة في الفيلم إلى قسمين متمايزين في الشكل والمضمون. تتسمُ الرحلة الأولى، التي يخوضها الفتى برفقة والده، بأجواءٍ من التشويق والرعب والمغامرة. هنا تتحرَّك الكاميرا بخفَّةٍ وديناميكيَّةٍ حادَّةٍ ملائمةٍ لحالات الترقُّب والتوتُّر، وتناسب إيقاع الرحلة التي يسودها مناخ الاختبار والعبور الأوَّل نحو العالم الخارجي.
يُظهر الفيلم التطوُّرات التي طرأت على المصابين بالعدوى، إذ أصبحوا قادرين على التكاثر والمناورة، وأصبح فيهم نوعٌ أكثر ذكاءً وباتوا أكثر تنظيمًا، بل قد يولد لهم أطفالٌ طبيعيُّون رغم إصابتهم. يمثِّل المصابون في الفيلم مصدرَ الصراع الخارجي في الفيلم، وفي خلفيَّة رحلة نضوج البطل الشاب. حين يعود للقسم الثاني من الرحلة برفقة أمِّه هذه المرة سعيًا وراء علاجٍ لمرضها وهربًا من والده.
تبدأ الرحلة الثانية بهدوءٍ محمَّلٍ بهذيان مرض الأم، إذ يصبح الغلام بمثابة "الأب الصغير" لأمه، يتولى رعايتها في رحلةٍ مقلوبة الأدوار. ورغم أنَّها تبدو تائهةً بفعل مرضها، إلا أنَّها تفاجئنا بانبثاقِ غريزة الأمومة والدفاع، تلك التي لم يستطع المرض أن يغيِّبها. في لحظة الخطر تتحوَّل فجأةً إلى كائنٍ حامٍ، بحيثُ تندفع بكلِّ ما تملكه من قوَّةٍ لحماية ولدها. هذا التحوُّل المفاجئ، رغم عجزها عن تذكُّره، يؤكِّدُ أنَّنا نتشارك مع الزومبي سماتٍ بدائيَّةً عميقةً لا يمكن محوها.
وحدها الأم تنجح في تهدئة المصابَة بالعدوى وتساعدها على الولادة، كأنَّ فطرة الأمومة تتواصل بينهما رغم العدوى والمرض. هذا التواصل الغريزي، الذي تتجاوب معه الحركات النسويَّة، يعبِّر عن قدرة النساء على التعاطف العابر للاختلافات، حتى في أقسى لحظات التهديد.
كان موقف الأم تجاه الطفلة الرضيعة ليأخذ مسارًا مختلفًا لو كان الأب موجودًا، إذ من المحتمل أنَّه سيتَّخذ قرارًا بالتخلُّص منها خوفًا من احتمال إصابتها بالعدوى. لكنَّ حكمة التريُّث لدى الأم، وقدرتها على احتواء الموقف، هي التي أنقذت الرضيعة وجعلتها تُحمى بدل أن تُقصى.
تأخذ مرافقة الأم طابعًا مختلفًا تمامًا يغلبُ عليه الهدوء والتأمُّل وتتباطأ فيه حركة الكاميرا، تماشيًا مع تحوُّل الرحلة من مواجهةٍ خارجيَّةٍ إلى مواجهةٍ داخلية، ومن الاختبار إلى النضج. لقد تعلَّم البطل دروسًا جوهريَّةً في القسم الأول، وها هو يطبِّقُها خلال رحلته مع الأم، في سياقٍ أكثر حميميَّةً وإنسانيَّة.
يصل الغلام بصحبة أمه والرضيعة إلى الطبيب المنبوذ إيان كيلسون (رالف فاينس)، الذي يمثل في بنية السرد معادلًا لشخصية "الحكيم" في الأساطير. إنَّه الوحيد الذي اختار ألَّا يقاتل الموت أو يهرب منه، بل أن يحتضنه ويفهمه. حاول أن يدرس المصابين وسلوكهم، وتمكَّن من العيش طويلًا بينهم دون أن يُصاب، مواريًا جثث ضحاياهم ببعضٍ من الكرامة، مشيِّدًا برفاتهم ما يشبه "متحفًا للموت"، يذكِّر بصريًا بالنصب التذكاري الألماني للقتلى اليهود في أوروبا.
في هذا الجزء من الرحلة، يتجلَّى لسبايك أهمَّ درسٍ ينبغي عليه تعلُّمه في سبيل نضوجه: القبول بحتميَّة الموت. أو كما يسميه الطبيب وتعبّر عنه الفلسفة الرواقية، Memento mori (تذكّر أنك فانٍ). عليه أن يدرك أنَّ زوال الجسد، وزوال اللحظة والتغيير المستمر، هي الحقائق الوحيدة الثابتة في هذا العالم.
وعلى عكس البنية التقليديَّة لرحلات الأبطال، لا يعود سبايك إلى قبيلته في النهاية منتصرًا، بل يرسل الرضيعة وحدها، مرفقةً برسالة إلى والده يخبره فيها أنَّه بحاجة إلى مزيد من الوقت، لكي ينضج ويستوعب معنى الموت وتقبُّله.
في نهاية الفيلم، يلتقي سبايك بجيمي (جاك أوكونيل) قابلناه في افتتاحية الفيلم وهو طفل صغير (وأدَّى دوره وهو صغير روكو هاينس)، حين تعرض مع أصدقائه لهجومٍ عنيفٍ من ذويهم بعد إصابتهم بالعدوى، غير أنَّ والدته استطاعت تهريبه قبل أن تُصاب، فيهرب إلى الكنيسة ليحتمي بوالده القسيس، الذي يخبره أن عليه تقبُّل "الخلاص"، ويترك له صليبًا صغيرًا، ثم يخبِّئه داخل حوض المعموديَّة. يضحي القسيس بنفسه، وينطلق مع الجموع المصابة بعد أن يناله الفيروس، في مشهد يعكسُ نظيره في الفيلم الأول، لكنَّه يكتسب هنا دلالة جديدة.
يتساءل الطفل، وهو يمسك بالصليب، في لحظة ألم: «لماذا تركتني يا أبي؟»، في صدى مباشرٍ للآية الواردة في إنجيل متى (27:46): «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟». إلا أنَّ هذا التساؤل، بخلاف موقف المسيح الذي لم يكن عتابه نابعًا من فقدان الإيمان، يُعبِّر هنا عن خذلانٍ عميق، وهدمٍ للثقة في الأبوة سواء البشرية أو الإلهية.
يكبر هذا الطفل، ويغدو في النهاية رجلًا يرتدي الصليب مقلوبًا في إشارةٍ صريحةٍ إلى التمرُّد على السلطة الأبويَّة والروحيَّة ورفض صورة "الرب الأب". يصبح زعيم طائفةٍ متطرِّفةٍ تصطاد المصابين بالعدوى، ويقدِّم دعوته لسبايك، بطل الفيلم، على شكلِ نداءٍ واضح للمغامرة، بما يتوافق مع مفهوم "دعوة البطل" في بنية «رحلة البطل» كما صاغها جوزيف كامبل، تمهيدًا للفيلم القادم في السلسلة.
يأتي الفيلم في سياقٍ عالميٍّ يشهد تصاعدًا في خطاب نقد الأبوَّة الرمزية، وتضاؤل ثقة الأجيال الجديدة في الدولة والأسرة والدين، مما لا يجعل من "التمرد على الأب، وإبراز حكمة الأم" هنا مجرَّد تحوُّل سردي، بل تحوُّلًا في البنية النفسيَّة لجيل بأكمله.
تعكس سلسلة «28» قلقَ كلِّ عصرٍ من خلال قضاياه الأخلاقيَّة والسياسيَّة والنفسيَّة: من الاحتلال، إلى الاستهلاك، إلى تفكُّك العائلة، وصولا إلى تمرُّد الأبناء وانهيار الثقة بالأبوة. إذا كان الجزء الأول يكشف عن الزومبي كرمزٍ للغضب الكامن في الفرد المعاصر، فإن الجزء الثاني يُظهره كاستعارةٍ سياسيَّةٍ للاحتلال والأمن الزائف، في حين يُعيد الجزء الثالث موضعة الزومبي داخل بنيةٍ اجتماعيَّةٍ-أسريَّةٍ تتحدَّى فكرة الأبوَّة وتنحاز إلى حكمة الأمومة، معلنةً موت سلطة الأب.