روي أندرسون: لا تصنعوا بأموال الدولة أفلامًا سيئة

«ما من نبي يُقبل في بلاده»، هكذا -وبعبارة من العهد الجديد- يختتم روي أندرسون هذه المقابلة التي نضع مقتطفات منها بين أيديكم، مُشيرًا إلى التقدير الذي وجده خارج بلاد بيرغمان ولم يجده داخلها.

أندرسون الذي وُلد في 31 من مارس عام 1943، بدأ مسيرته السينمائية بفيلميّ «قصة حب سويدية» (A Love Story - 1970) و«غيلياب» (Giliap - 1975) ليهجر بعد ذلك السينما ما خلا بعض الأفلام القصيرة والإعلانات. هذه القطيعة التي عزا مخرجُنا سببها إلى قلة الدعم المالي والحبسة الإبداعية والجمالية ولكن وقبل كل شيء إلى "الملل من الواقعية"، ليجيء فيلمه الأول بعد الانقطاع «أغاني من الطابق الثاني» (Songs from the second floor - 2000) كي يميط اللثام عن أسلوبٍ متفرّد لا نظير له.

وهو فاتحة الثلاثية التي عُرفت لاحقًا باسم «ثلاثية الوجود»، ثلاثية كان يتوسطها «أنتم أيها الأحياء» (You, The Living - 2007)، وجاء في خاتمتها «حمامة حطت على غصن تتأمل الوجود» (A Pigeon Sat on a Branch Reflecting on Existence - 2014).

وبعد توقفٍ دام خمسة عشر عاما، عاد مخرجنا ليقدِّم خلال الخمسة عشر سنة التالية واحدةً من أجمل الأعمال السينمائية التي شهدها القرن الحادي والعشرون، وليس لك، وأنت تتعاطى أفلامه، إلا أن تشعر بالذهول، كـ «ذهول أول رجل رفع بصره إلى السماء».

بكاميرا ثابتة، ووجوه باردة لطاقم معظمه من الهواة، اعتلى «أندرسون» عرش السينما، وصنع ثُلاثيةً بَوَّأته مكانة النبوة السينمائية التي أشار إليها آنفًا. وقد أجرى معه «ميكر ستيف ماكفارلين» حوارًا نُشر في مجلة الفيلم، بتاريخ 5 يونيو 2015.

المحاور: أتمانع أن أبدأ بسؤالك عن بداياتك؟

أندرسون: بالطبع لا، سأتحدث عن كل شيء. (يضحك)

م: أعرف أنك بدأتَ العمل مُساعدًا للعظيم بو وايدبيرغ. ما أودُّ الحديث عنه هو نشأة الشِقاق في السينما السويدية -على الأقل بعد فيلم «نهاية ريفين» ,(1963 - Raven's End)- فمن جانب هناك بيرغمان ممثلاً للمؤسسة، ووايدبيرغ على الجانب الآخر الذي حاول دفع الأمور نحو اليسار أكثر. أنت تعتبر نفسك جزءًا من هذا الجانب الآخر، وأشرتَ سابقًا إلى وجود تنافس بين هذين الرجلين، هلّا استفضتَ قليلاً بهذا الشأن؟

أ: في الواقع كانا عدويْن، كره وايدبيرغ بيرغمان، بسبب الغيرة فيما أظن، وربما لِسمعة بيرغمان وانتشاره العالميين.
كنتُ شابًا خلال الستينيات، وثمة ثورة شابة تحدث في كل أصقاع العالم. ورغم أن وايدبيرغ يكبرني بـعشرة أعوام، إلا أنه يرى نفسه من أنصار تلك الحقبة، لقد آمنا بأنّا قادرون على تغيير العالم وتحقيق عدالة أكبر وهكذا. خلال دراستي الجامعية في (مؤسسة الفيلم السويدي)، كان بيرغمان في ذلك الوقت في منزلة (المراقب)، دور يعلو رئيس الجامعة مرتبةً. وفي نهاية كل فصل نُدعى إلى مكتب بيرغمان ليعطينا درسًا (يضحك).

كانت الجامعة معطاءة جدًا في تلك الفترة، دَرَسنا بشكلٍ مجاني وذهبنا إلى "مهرجان كان السينمائي"، وكان لدينا مخزون من الأفلام. واستطاع كلٌ منا الحصول على «كاميرا 16 مم». وكما تعلم كان ذلك أثناء حرب فيتنام، وفي السويد ظهرت العديد من المسيرات تنديدًا بتلك الحرب، وخرجنا لتصوير هذه المظاهرات بكاميرات المؤسسة. عندها غَضِب بيرغمان بشدة بسبب انخراطنا السياسي، إذ كان يمينيًا ونحن على الجانب الآخر يساريون، ولأصدقك القول أغلب الشباب كانوا يساريين بسبب حرب فيتنام. أذكر أنه جاء ليهددنا قائلا: «إن استمررتم في هذا، أعدكم بألا تحظوا بفرصة لصناعة فيلم أبدًا».

م: لكن هذه كانت لِدوَاعٍ سياسية، هو لم يتحدث عن الأسلوب (technique).

أ: نعم، لقد نشأ في كنف أسقف، وكل صيف يُرسله والداه إلى ألمانيا وهناك –كما تعلم- انضمّ إلى منظمة (شباب هتلر)، ولم يغادر تلك الأيديولوجيا قطُّ.

م: حقًا؟! في فيلم «بيرسونا» (Persona - 1966) عالج صراحةً موضوعَ ضمير -ما بعد الحرب- المضطرب..

أ: لم يكن الأمر ظاهرًا في أفلامه، لكنه على المستوى الشخصي كان يمينيًا متطرفًا، ويكاد يكون فاشستيًا أكثر مما يُتحدث عنه، لكنني لا أتهمه بأي شيء، هذا ما جناه أبوه عليه إذ أرسله إلى (شباب هتلر)، ولا أدري ما إذا كان بيرغمان قد صنع أي عمل سياسي من قبل. في فيلمه «عار» (Shame- 1968) يوجد القليل من "ضد السوفيتية"، لكنه الفيلم الوحيد من هذا النوع حسب علمي.

م: اللعنة! دعنا إذن نتحدث عن أفلامك، كيف تَطور أسلوبك مقارنةً بالسينما السويدية التي سبقتك؟ ما هي المقاربة الجديدة التي أردت تبنيها بعد بيرغمان؟

أ: بعدما غادرت الجامعة صنعت «قصة حب سويدية»، ثم فيلمي الثاني الذي فشل فشلاً ذريعًا، لذا لم أُقبل في المجال، ولكي أنجو اضطررت لإخراج بعض الإعلانات، غير أن كُلٍ الإعلانات التي صورتها، و أفلامي القصيرة كانت وفق الأسلوب الواقعي، أسلوب وايدبيرغ، أي الأسلوب الأوروبي السائد وقتها.

بعد 15 عامًا ضجرت من الواقعية، وأردت التوقف وتغيير عملي إلى شيء آخر، حتى أدركت: «واو، يمكنني تجريب شيء أكثر تجريدًا». مستلهمًا من فيلّيني على سبيل المثال، وبونويل.. وحينما فعلت ذلك، شعرت براحة تامة، لقد كنت سعيدًا بإيجاد شيء ذي جودة كافية للاستمرار فيه.

م: للتوضيح، أنت تتحدث عن فيلمك القصير «عالم المجد» ,(World of Glory - 1991)؟

أ: نعم، لكن الأمر بدأ أولاً مع الإعلانات.

م: هذه الفجوة الممتدة لمدة 15 عامًا، أكانت لأنك حاولت صناعة أفلام بلا دعم؟ أم هي مشاكل إبداعية وجمالية؟

أ: هذا وذاك، ثمة مشاكل تمويلية، لكن المشكلة الأساس هي أنني غيرت أسلوبي بعد مَلَلِي من الواقعية. والأسلوب الجديد كان أسلوبًا خاصًا، لدرجة أني كنت أسأل نفسي أحيانًا: «كيف استطعت أن أجد هذا الأسلوب»؟

عمومًا تاريخ الرسم كان أكثر المصادر إلهامًا بالنسبة لي، العديد من حقب الرسم كانت غاية في الروعة، خصوصًا تلك اللاواقعية منها.

م: يقترن اسمك بـ غويا، بروغل الأكبر، والفنانين الكبار، هل كان لهذا تأثير على إعلاناتك؟

أ: أجل.

م: عليّ أن أُقر بأنك طريفٌ جدًا، وإنه لمن الصعب جدًا تخيّل شركة أمريكية تَقبل هذا النوع من السخرية السوداء!

أ: لكن هذه الإعلانات سوّقت جيدًا للمنتجات، نجح الأمر بشكل مُبهر في السويد. وطالما تباع المنتجات تكون مقبولاً. (يضحك)

م: دعني أسألك، هل لدى اليسار السويدي ذات الاستهجان الأمريكي من صناعة الإعلانات؟

أ: نعم، بعض زملائي من المؤسسة اتهموني بالخيانة، لكن فلسفتي كانت في ذلك الوقت أنه -حتى ولو كنتَ مرتبطًا باليسار- طالما نتقبّل وجود سوق ما، فهذا يحتم علينا أن نسوّق له. الأمر الوحيد الذي يجب الانتباه إليه هو ألا نصنع إعلانات لاأخلاقية، لذا فقد صنعت إعلاناتي بطريقة جد خاصة، ورفضت كذلك أن أصور بعض الإعلانات السيئة، أو التي تروّج لنمط حياة فاسد.

م: لنعد إلى فيلم «عالم المجد»، إن المشهد الأخير منه مُدمر! يستفيق الرجل في منتصف الليل، فيسمع أحدهم ينتحب في الخلفية، لكن زوجته تُناشِده كي يعاود النوم، ثمة لحظة مشابهة في «حمامة حطت على غصن تتأمل الوجود»، هل توجد علاقة بين المشهدين؟ أعني هل راودتك هذه اللحظات أولاً، ثم بنيت الفيلم عليها؟، أم أنك عملت على صنع لحظة جديدة، وانتهى الأمر بأن النقاط الجوهرية ذاتها أعادت خلق نفسها من جديد؟

أ: بخصوص هذه الثيمة في «عالم المجد»، وكذلك في «حمامة حطت على غصن تتأمل الوجود»، فإن من أهم المسائل التي ارتبطتُ بها طيلة حياتي هي: «كيف يمكن للبشر أن يسيئوا لبعضهم البعض»؟

وُلدتُ في فترة الحرب إلا أنني لم أشارك فيها، فأنّى لي الإحساس بالذنب بسبب الفترة النازية؟ فكرت مليًا في كيف أُسامَح، وكيف أتصالح مع الجرائم التي اُرتكبت بمساعدة السويديين؟ أنا جُزء من البشر كلهم، وأشعر بمسؤولية ما صنعناه جميعًا، ومسألة التصالح هذه قضية مهمة بالنسبة لي.

م: كنتُ أَحسب أن في مشاهد جلد الذات من فيلم «أغاني من الطابق الثاني» إشارةٌ إلى «عالمٍ جديد شجاع» لهكسلي، لكنني قرأت أنها ردة فعل على الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت عام 1997. لكنها تظل إشارة كامنة، فأنت لم تصورها لتبدو وكأنها إشارة!

ماذا عن مشهد الكولونيالية في نهاية فيلم «حمامة حطت على غصن تتأمل الوجود»، وهل هو أشد أفلامك غضبًا حتى الآن؟

أ: أجل، أردت حقًا أن أكون استفزازيًا وعملي القادم -الذي بدأت الاشتغال عليه بالفعل- سيحتوي على نوعين متناقضين من السلوكيات الإنسانية: السعادة والحزن، القسوة واللطف، وسيكون غنيًا قدر الإمكان لوصف نطاق الوجود بأكمله.

ما يغضبني حقًا هو الجهلُ وانعدام التعاطف، وهاتان الصفتان شائعتان هذه الأيام؛ لأن المال هو ما يُشغلنا اليوم في السويد، وعندما تكون فنانًا –لا أحب أن أسّمي نفسي «فنانًا» بالمناسبة- وتشتغل بأدوات فنية عليك أن تضع نُصْب عينيك أنك في خدمة الإنسانية.

م: فيما يخص «ثلاثية الوجود»، أكانت الخطة - عندما بَدأت في تصوير فيلم «أغاني من الطابق الثاني» - أن تصدر ثلاثية مترابطة، أم أن كل فيلم تمت معالجته على حِدة؟

أ: كلٌ على حِدة، وشعرت بالراحة في صنع فيلم ما واعتباره جزءًا من الثلاثية. الرقم ثلاثة –إن صح القول- عددٌ سحري! في السويد لدينا فرضية تقول: «تأتي الأشياء الجيدة ثلاثًا». ومن الطبيعي أن تكون هذه الأفلام ثلاثية الأجزاء، لأنها في ذاتها متقاربة جدًا جدًا، خرجتْ جميعها من سلة واحدة.

م: إذن سيكون الفيلم القادم مغايرًا؟

أ: أعتقد ذلك، لكنني لا أعرف إن كان هذا مُمكنًا. أخشى أنني عالقٌ في أسلوب معين وما أريده بصراحة هو أن أغير منه قليلاً.

م: في فيلم «غيلياب»، غيّرت من أسلوبك بشكلٍ جذري، جئتَ بشيء معاكس لما أرادوا منك صنعه بعد «قصة حب سويدية».

أ: نعم.

م: هل يعني هذا أن أسلوبك في «قصة حب سويدية» غير صادق ولا يمثلك؟ أم تطورتَ من بعده؟

أ: برأيي من المستحيل أن تصنع فيلمًا كـ «قصة حب» بالطريقة الواقعية الأوروبية، مستحيل.

م: بالتالي فإن فيلمك القادم لن يكون كـ «قصة حب»؟

أ: كلا، وإني لأتساءل ما إذا كان بإمكاني تحريك الكاميرا مجددًا، أود ذلك بالطبع، جربتُ ذلك مسبقًا والأمر يزداد سوءًا.

م: ما الذي يزداد سوءًا؟

أ: تحريك الكاميرا.

م: هل هذا مبني على اختبارات أو تجارب؟ هل صوّرت مشاهد معينة لتصل إلى هذه النتيجة؟

أ: بل لأن الناس تقول «آه، إنك تكرر نفسك في كل مرة بكاميرتك المثبّتة». (يحرك يديه في الهواء) نعم، نعم، نعم، سأجرب، كما جربت في السابق. لكنك ستخسر شيئًا ما دائمًا إن أنت حرّكت الكاميرا، ولأكون صادقًا لا أدري ما هو.

م: أعتقد أنه من الأسهل أن تُحرك الكاميرا طوال الوقت، أو ألا تُحركها على الإطلاق، في الما بين-بين تكمن الصعوبة.

أ: حسنًا، كاميرا إيناريتو –مخرج «بيردمان» (Birdman - 2014)- تتحرك طيلة الوقت، وببراعة لا مثيل لها، وأنا لست متأكدًا بشأن الإبقاء على الكاميرا الثابتة إلى الأبد، لا أدري! ما أنا مُتيقن منه أنني لن أقوم بتقِريبها من الوجوه، أو القيام بمَنتَجَةِ مشهدٍ في آخرَ. لا لا، هذا مستحيل.

م: بصفتي أمريكيًا فإنني أنظر بنظرة ملؤها الغيرة إلى الدول الأوروبية، ودعمها للفنون إلى يومنا هذا. لكنك كتبت في 1995 التالي: «إن حالَ الأفلام اليوم وحال جُزء كبير من إنتاج التلفزيون السويدي هو الذي أدى إلى الإنجاز المتمثّل في جعل السويديين يدفعون من مالهم لدعم غبائهم المتنامي». هل في هذا تشكيك في أن الأفلام بحاجة إلى دعم، أو...؟

أ: نعم. (يضحك) الدولة تُقدم الإعانات دعمًا للأفلام، وقد أُسيئ اِستعمال هذا الدعم، إنهم يصنعون أفلامًا سيئة بأموال الدولة.

م: دون اتهام أحد، هل تؤمن أن هذا الأمر لا يزال مستمرًا، بعد أكثر من عشرين سنة؟

أ: أضحى الأمر أكثر سوءًا، الآن ثمة جيل جديد كامل همهم الأول أن يكونوا مشهورين، ولا يبالون بصنع شيء جاد أو ذي قيمة! لقد أغرتني سابقًا فكرة الشهرة، لكن مخرجي اليوم لا يريدون إلا هذا، بصرف النظر عما يصنعون. من الصعب الاعتراف بالأمر، لكن هذا رأيي وتوجد استثناءات قليلة بكل تأكيد. وطبعًا، عليك أن تسدد هذه "الإعانات" للدولة إن نجح الفيلم وحقق عوائد مالية فهي ليست هبة.

م: إذن فإن فشل الأفلام مردّه إلى أن المخرجين يَصْبُونَ إلى عَقد صفقة هوليوودية دون الاِكتراث بشكل الفيلم؟

أ: نعم.

م: ألم تحصل أنت على صفقة من هوليوود؟

أ: بلى، بعد «قصة حب سويدية»، سألوني ما إذا كنت راغبًا في صنع فيلم في هوليوود. قابلتُ منتجًا من (يونيفرسال) في مهرجان «كان» وتحدثنا عن الأمر، أما الفيلم فكان عن أناس يعملون في عبّارة بين فرنسا وإنجلترا، كانت لديّ قصة وفي الوقت نفسه شيء من الغطرسة، فقلت «حسنًا، لنفعل ذلك، ولكنني أريدك أن توقِع مع إليزابيث تايلور وإليزابيث بورتون». حينما سمع ذلك أظنه قال «هذا الرجل متغطرس»، فلم نصل إلى اتفاق.

م: إذن فقد أردتَ أن تكون مشهورًا أيضا.

أ: لا! كنت أحبهما حقا. «بورتون وتايلور» كانتا في ذلك الوقت ممثلتين رائعتين، لكن بالطبع هذا يحدث دائمًا بعد أن تذوق طعم النجاح.

م: هلّا أخبرتني قليلاً عن مشهد الحرب العالمية الثانية في فيلم «حمامة حطت على غصن الوجود»، وعن أغنية «لوتا العرجاء» ,(Limping Lotta).

أ: كنت أغنيها وأنا طفل، إنها أغنية معروفة جدًا، و«عشر سنتات لجرعة خمر» هو مقطع مشهور للغاية حتى عندما كنا صغارًا. ولا أعرف على وجه اليقين ما إذا كان ذلك المطعم، الذي نراه في الفيلم، موجودًا! بحثت مليًا عن تلك الخلفية لكن لا أحد يعلم أين كان ذلك المطعم.

م: لقد غدا خُرافةً.

أ: أجل أجل، يقول البعض إنّ لوتا العرجاء عاهرة. مهما يكن من أمر، كانت الأغنية وما زالت مشهورة جدًا.

م: كان هذا بالنسبة لي أشدّ لحظات الفيلم قربًا إلى التصالح، إنها تغيّر –في لمحة خاطفة- طريقةَ نظرك إلى البار لبقية الفيلم حتى ولو بقيت الكاميرا ثابتة.

أ: لأنها أغنية لطيفة للجنود الفقراء في ذلك الوقت، فهم لا يملكون مالاً ويشترون جرعة من الخمر بقبلة. كانت فكرة جميلة ورأيت أنه من الجميل تصويرها.

م: أما زلت تفضل العمل مع ممثلين غير محترفين؟

أ: بدأت مسيرتي بخليط 50-50. لكن في هذا الفيلم كانت النسبة 80% من الهواة و20% ممثلين محترفين. ولست متزمِّتًا بهذا الخصوص، فما أبحث عنه هو الأصالة، التي أجدها في الناس على الشوارع أكثر مما هي موجودة لدى الممثلين المحترفين. ما أعنيه أن لدينا 10 ملايين نسمة في السويد، ولنقل 5000 ممثل، وعليه فإن المادة تكون أكثر عن الهواة.

م: لكنك تأخذ ما يربو على 50 لقطة، ألا يكون الأمر أكثر صعوبةٍ مع غير المتمرسين؟

أ: هذا سوء فهم للموضوع! لا يكون الأمر أسهل مع المحترفين، بل أزعم أن العكس صحيح؛ لأنك تكون ملتزمًا بأسلوب معين مع المحترفين، إنهم عالقون في فهم معين، لا أقول إن الهواة أكثر أصالة من المحترفين، ما أقوله إني أريد من المحترفين أن يكونوا أصيلين حين أعمل معهم. أكره حقًا استخدام ممثل سبق أن شاهدناه في شخصية سابقة، فأنا أريد ممثلاً في حالة جديدة بالكامل وعندها يمكن استخدام المحترفين.

م: حدّثني عن معركة بولتافا. لو قام الناس بالاحتجاج خارج دور السينما التي تعرض فيلم «أغاني من الطابق الثاني»، هل كانت السخريةُ من أيقونة وطنية كتشارلز الثاني عشر موضعَ جدل بالنسبة لك؟ هل هيأت نفسك طوال مسيرتك لهذه اللحظة، أم كان الأمر كأن تقول «حسنًا، سيكون هذا طريفًا إن…»؟

أ: هذه الشخصية أيقونة للشعب السويدي، ولكنه أيقونة كذلك للجانب الفاشستي، إنهم يحتفلون بموته في الـثلاثين من نوفمبر من كل سنة، لا يفعلون ذلك كثيرًا الآن، ولكن قبل عشر سنوات كانت تُقام احتفالات في ذكرى موته خصوصًا بين الفاشستيين المتأثرين بالنازية. إنه رمز للنازية الجديدة في السويد، إلا أن الوضع اختلف الآن عما كانه قبل 10 سنوات على سبيل المثال.
إضافة إلى ذلك، تتلبس السويدَ اليوم حالةٌ من الروسوفوبيا (Russophobia) لهذا أصررت على هذا المشهد. ويجب أن نتذكر أن السويد هي من بدأت الحرب على روسيا وليس العكس، وبسبب الملك فقدت السويد جزءًا كبيرًا من أراضيها، إذ كانت متصلة بفنلندا ودول البلطيق لكن لربما في الأمر خير.

م: هل تزعجك مناقشة هذه اللحظات بهذه الطريقة الحرفية؟ أشعر أحيانًا أن الهدف من هذه اللقاءات هو إلقاء النور على الغموض الكامن في أعمال المخرج، فعندما يعرض عليك تصوره يكون الأمر مختلفًا، عفويًا، ومليئًا بالطاقة.

أ: هل تقصد مشهد الملك؟

م: أيّ مشهد. لا أدري إن كنت تَقرأ ما يكتبه النقاد، لكن إن كنت تفعل هل تجد فيما يكتبونه اختزالاً؟

أ: صدقًا، لم يُكتب الكثير عن العمل في الصحف السويدية بعد، ولا أعلم لماذا! في الدول الأخرى قرأت تحليلات رائعة جدًا، النقاد السويديون اليوم كسالى جدًا وسطحيون للأسف. وجدتُ لدى نقاد إسبانيا مثلا وفرنسا والبرتغال وإنجلترا احترامًا كبيرًا.. ثمة قول قديم: «ما من نبي يُقبل في بلاده».

اشترك في النشرة البريدية

احصل على أحدث المقالات والأخبار مباشرة في بريدك الإلكتروني
تم إضافتك ضمن النشرة البريدية, شكرًا لك!
نعتذر حدث خطأ, الرجاء المحاولة مرةً أخرى